هل نحن جالية تكره بعضها البعض؟ أم ضحايا واقع مأزوم؟
أحمد العمري/ برشلونة.
زارني زميل لي بالمكتب، وبعد تبادل التحية والسؤال عن الأحوال، بدأ النقاش يتجه بشكل مفاجئ إلى الحديث عن وضع الجالية المغربية في كتالونيا. بدأ يعبّر عن خيبة أمله من الوضع الحالي، وتساءل بمرارة: “هل فعلاً نحن جالية تكره بعضها البعض؟”
كانت تلك الكلمات بمثابة بداية نقاش عميق حول ما نعيشه اليوم من تصدعات بيننا كجالية، خاصة مع ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من صراعات وتناقضات بين أفرادنا. زميلي لم يتوقف عند هذه النقطة، بل أضاف: “هذه المظاهر تجعلنا نبدو كمن لا يقدر بعضه البعض، كل واحد منا يسعى لمصلحة فردية في الوقت الذي يفترض أن نكون فيه يداً واحدة.”
أحد المواضيع التي أثيرت كان قضية وسيلة، والتي أثارت الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي. خرجت إحدى الأدمنات في مجموعة “الواتساب” لتتحدث عن نفسها كـ”ضحية”، وتبرئ ذمتها من تهم النصب والاحتيال التي طالت مجموعة “الخير”، مدّعية أنها كانت ضحية لما أسمتها “مجموعة الشر”. هذا التصريح، الذي وُجه له الكثير من الانتقادات، خلق المزيد من الشكوك في نوايا من يروجون لمثل هذه القصص، وأدى إلى توسيع دائرة الخلافات بين الأفراد.
إن هذا النوع من الصراعات على منصات التواصل الاجتماعي، والتي لا تكاد تهدأ حتى تشتعل مجددًا، لا يمثل سوى جزء من الواقع الذي نعيشه. وبينما تُرفع شعارات “المحبة والاتحاد” في اللقاءات والندوات، نجد أن الواقع يكشف عن تعميق للفجوة بين أفراد الجالية، ويبدو أن هناك من يحاول زرع البغضاء والتفرقة بدلاً من التآلف والوحدة.
عندما بدأ زميلي في الحديث عن بعض الجاليات الأخرى في برشلونة، مثل الجالية الباكستانية، كان قد أشار إلى قدرة هذه الجاليات على التنظيم والانسجام. على سبيل المثال، استحوذ الباكستانيون على قطاعات مهمة مثل التاكسي و”أوبر”، وأصبح لهم وجود قوي في المحلات التجارية التي تظل مفتوحة 24 ساعة. زميلي أضاف أن هذه الجاليات تمتلك لوبيات ضغط قوية، وأنها تتصرف بشكل منظم ومتماسك، مع قدرة على التحرك في وقت الأزمات أو عندما تكون مصالحهم مهددة.
وفي المقابل، نجد أن الجالية المغربية تفتقر إلى هذا التنظيم والانسجام. فبينما لا تزال بعض الأصوات تُرفع في المناسبات الرسمية بمظاهر “الصف الواحد”، نجد في الواقع أن أفراد الجالية يعانون من التفرقة، والانقسامات التي تبرز في كل فرصة متاحة.
لكن القضية الأهم التي طرحها زميلي كانت غياب القيادة الواعية في الجالية. مع كل الهجمات المتكررة على الجالية المسلمة، خاصة من حزب “فوكس” العنصري، لا نسمع ردود فعل قوية أو تحركات منظمة. أين هي الجمعيات التي كانت في الماضي ترفع شعار الدفاع عن حقوق الجالية؟ أين هي الشخصيات التي من المفترض أن تمثلنا في مثل هذه اللحظات الحرجة؟
هذا الغياب يجعلنا نبدو وكأننا جالية بلا صوت أو قيادة. وفي وقت تتعرض فيه حقوقنا وتقاليدنا للتحدي، لا نجد من يتولى مهمة الدفاع عن هذه الحقوق، أو حتى يوجهنا في مواجهة هذه الهجمات المنظمة.
لا يمكن إغفال حقيقة أن ما نعيشه اليوم ليس مجرد حالة عابرة، بل هو نتاج إرث ثقافي واجتماعي حملناه معنا من الوطن الأم. صراعاتنا الداخلية، مثل الجهوية والتفرقة، استمرت معنا في المهجر، وأصبحنا نعيد إنتاجها بشكل مختلف، لكن في سياق جديد. فبينما كانت هذه الخلافات تظهر في البلد الأم، أصبحت اليوم تنتقل إلى الفضاءات الإلكترونية، وتؤثر بشكل سلبي على علاقتنا ببعضنا البعض.
رغم كل هذه السلبيات، لا يمكن إنكار أن هناك مبادرات رائعة وطاقات حية في الجالية المغربية. جمعيات تعنى بالقضايا الاجتماعية، وأفراد يسعون لتحسين واقعنا الجماعي، حتى لو كانوا يعملون في صمت بعيداً عن الأضواء. هؤلاء هم الأمل، والذين يجب أن نركز عليهم.
نحن لسنا جالية تكره نفسها، بل جالية تحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتها. يجب أن نتحلى بالقدرة على تجاوز خلافاتنا الشخصية والتركيز على القضايا الأكبر التي تهمنا جميعاً. قد لا يكون الطريق سهلاً، ولكن لا بد من أن نضع حداً لهذه الانقسامات، ونعمل على بناء مجتمع قوي، متماسك، وقادر على الدفاع عن حقوقه في مواجهة كل التحديات.
هل نحن جالية لا تحب بعضها البعض؟ أم أن الوقت قد حان لنحب أنفسنا بما يكفي لننقذ ما تبقى من صورتنا الجماعية؟