يوميات الحجر الصحي، السبت ٢١ مارس.

فريدة العاطفي/ إخصائية نفسية/ فرنسا.

السبت 21 مارس/ فرنسا: خامس يوم من الحجر الصحي:

سأبدأ يومي من ليله، في زمن الحجر الصحي يتشابه الليل والنهار…الصبح والمساء… النوم واليقظة ، بل قد يكون النوم أكثر صخبا من اليقظة….الذين عاشوا تجارب السجون أو تجارب من نوع آخر منعتهم من الخروج طويلا ، يعرفون أن الزمن في كل أنواع السجون يصبح دائريا.

أنا لأول مرة أجرب هذا الزمن الدائري…أحس أنني عوض أن ادور مع الأرض حول الحياة…أدور كما الآخرين حول نفسي…بل أحيانا أحس انني واقفة…حتى حين أمشي … وأطبخ … وأكتب …وأشاهد التلفزيون …وأنام … وأستيقظ أحس أنني واقفة والزمن لا يتحرك… الحركة حياة… والوقوف موت . علي إذن أن أفعل شيئا يجعلني أتقدم إلى الأمام… نحو المستقبل … مثل أن أكمل تعلمي لللغة الاسبانية…واتخيل نفسي أسافر لمدن عديدة في اسبانيا …خصوصا تلك العابقة برائحة التاريخ والأحداث الكبرى.

صديقة من المغرب بعثت لي صورة تعجن فيها الحرشة ( نوع من المعجنات المغربية) في 12 ليلا…يبدو أنها التحقت بحلقة الزمن الدائري بسرعة رغم انه ثاني يوم فقط من الحجر الصحي في المغرب.
اضع ماسكا من العسل والموز على وجهي قبل ان أنام، يجب أن أحافظ على بشرتي من الشيخوخة. الجسد يشيخ حين تحزن الروح وترفض الحياة، انا لا أريد أن أشيخ بسبب خفافيش…على الأقل اذا كان لا بد للانسان أن يشيخ، فليكن ذلك حين تكمل الحياة دورتها، وليس بسبب قصة نهايتها يسجن فيها سكان الكرة الأرضية بسبب خفافيش.

اتصلت جارتي وقالت انها اصيبت بكورونا، هي بالذات كنت اتوقع أن تصاب، لأنها منذ بداية هذا الفيروس وهي في حالة هلع يزداد يوما بعد يوم، وكلما ازداد تهرع نحو الانترنت لإحصاء أخبار الموتى، ومشاهدة كل الفيديوهات التي لها علاقة بكورونا.قلت لها أكثر من مرة : ” إنسي قليلا…عيشي حياتك في شقتك بشكل طبيعي…قومي مع اولادك بأشياء تدخل البهجة على القلب” لكنها كانت مسكونة بشيء أقوى يدفعها نحو هوة قاتمة… كما لو أنها تستجدي المرض…وتريده أن يأتي لترتاح من خوفها. بعض الناس قد يفضلون الاصابة بالمرض ، على ان يعيشوا تحت رحمة الخوف منه، وآخرون من شدة الخوف قد يعانون من علامات كورونا دون أن يكونوا قد أصيبوا بها فعليا…يسمى ذلك المرض الوهمي…من شدة الخوف من مرض يمكن أن نعيش كل أعراضه دون أن نمرض به.

كررها سيجموند فرويد على مسار حياته، عدو الحياة ليس الموت وإنما الخوف…
لن نخسر شيئا إذا اخترنا في هذا الحجر المفروض علينا أن نجرب مشاعر إنسانية ولدنا بها لنحمي حياتنا مثل الشجاعة …ليس الشجاعة بمفهومها الفروسي ولكن بمفهومها الانساني البسيط… حين نستطيع أن نبتسم للحياة في هذه المرحلة الصعبة فذلك نوع من الشجاعة، حين نحول نوافذنا وشرفاتنا وحدائق بيوتنا الى امكنة تنبض بالحياة فهذه شجاعة، حين نسأل عن بعضنا بمحبة هذه شجاعة، حين نتوقف عن احصاء الموتى بين دقيقة واخرى فهذه شجاعة… حين نصفق بمحبة وامتنان للاطباء والممرضين وكل من يعمل لانقاذ البشرية في هذه المرحلة فهذه شجاعة…كل تصرف جميل وايجابي نقوم به الآن في حق أنفسنا والآخرين…هو نوع من الشجاعة لأنه نابع من غريزة البقاء.
مساء الخير أيتها الشجاعة.
صباح الخير أيتها الحياة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

WP Radio
WP Radio
حاليا يعيش
Skip to content