إصلاح جذري أم اعتراف بالفشل؟ Generalitat تلغي DGAIA وتُنشئ DGPPIA: خطوة نحو وقاية الطفولة أم تصفية حسابات؟

كتالونيا24 – كتالونيا.
أعلنت حكومة كتالونيا عن خطوة وُصفت بـ”الجذرية”، تتمثل في حل المديرية العامة للاهتمام بالطفولة والمراهقة المعروفة اختصارًا بـ(DGAIA)، واستبدالها بهيئة جديدة تحمل اسم المديرية العامة للوقاية وحماية الطفولة والمراهقة (DGPPIA)، في إجراء أثار الكثير من الجدل والتساؤلات حول جدواه، وسياقاته، ومدى ارتباطه بفشل سابق في إدماج القاصرين، بل وتحويل المؤسسات المكلفة بحمايتهم إلى “مفرخة محتملة للإجرام”، كما سبق أن حذرت منه فعاليات مدنية وسياسية.
تأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الفضائح التي هزّت الرأي العام، أبرزها قضية فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا تعرضت لانتهاكات جنسية داخل أحد مراكز الإيواء التابعة لـDGAIA. هذه الحادثة، إلى جانب تقارير رسمية من مكتب مكافحة الفساد في كتالونيا، كشفت عن اختلالات بنيوية في المنظومة، تتعلق بسوء التسيير، وغياب المراقبة، وتفويض المهام الحساسة لجمعيات خاصة دون رقابة فعلية.
تقول الحكومة الكتالونية إن التغيير ليس مجرد تعديل هيكلي، بل هو “إعادة تأسيس” للنظام برمته، يُركّز أكثر على الوقاية والحماية، مع سحب صلاحيات التعاقد وتوزيع الميزانيات من يد المديرية الجديدة، وتوزيعها على إدارات أخرى. كما تقرر توظيف 300 متخصص جديد في مجال الطفولة حتى عام 2027، مع تعزيز أجهزة التفتيش والرقابة، وإنشاء هيئتين مستقلتين للمراقبة.
يرى عدد من المراقبين والفاعلين أن هذه الخطوة تمثل إقرارًا غير معلن بفشل السياسات السابقة في دمج القاصرين في المجتمع. فبدلاً من تحويلهم إلى أفراد فاعلين، تم الدفع بالكثير منهم إلى الهامش، وتركهم عرضة للعنف، والفقر، والتهميش، بل وأحيانًا إلى مسارات جنوح وجريمة. وهو ما دفع جمعيات مدنية إلى وصف DGAIA سابقًا بأنها “إدارة لتفريخ المجرمين”، نتيجة غياب المقاربة التربوية والإدماجية في تعاملها مع القاصرين، خاصة من أصول مهاجرة.
رغم أن نسبة هامة من القاصرين في مراكز الإيواء هم من أبناء الجالية المغربية أو من دول مغاربية، إلا أن الصوت الجمعوي القادم من هذه الفئة ظل باهتًا، إن لم نقل غائبًا، في تتبع ومراقبة أداء مؤسسات الرعاية، وفي الترافع لصالح تغيير السياسات العقيمة تجاه القاصرين. وقد غابت مبادرات حقيقية لخلق آليات مدنية مستدامة لمراقبة المؤسسات ومساءلتها.
ورغم بعض المبادرات المحتشمة من جمعيات ومؤسسات تنشط في مجال الطفولة، إلا أن تركيزها ظل في الغالب محصورًا في مشاريع ممولة مرتبطة بالإدماج أو التكوين، دون التطرق العلني والجرئ لجذور الإشكال، أو تبني موقف نقدي واضح تجاه السياسات العمومية في هذا المجال. ويعزو بعض المهتمين هذا الصمت إلى هاجس التمويل، أو إلى انعدام رؤية واضحة حول دور المجتمع المدني في مرافقة هؤلاء القاصرين من منظور حقوقي ووقائي.
فيما وصفت الوزيرة مونيكا مارتينيز برافو هذا الإصلاح بأنه “تاريخي” ويعكس رؤية جديدة مبنية على الوقاية، اعتبرته بعض الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها “جونتس”، إجراءً متأخرًا، وغير مصحوب بالموارد الكافية، داعية إلى تشكيل لجنة تحقيق في أداء DGAIA، وتحديد المسؤوليات السياسية والإدارية وراء الإخفاقات المتكررة.
لا يبدو أن تغيير اسم المديرية من “الاهتمام بالطفولة والمراهقة” (DGAIA) إلى “الوقاية والحماية للطفولة والمراهقة” (DGPPIA) مجرد تعديل شكلي، بل يحمل في طياته تحوّلاً في النظرة الرسمية إلى دور الدولة في تدبير ملف القاصرين. فمصطلح “الاهتمام” يوحي برعاية ظرفية قد تفتقر إلى العمق البنيوي، بينما تُفهم “الوقاية والحماية” على أنها فعل استباقي وهيكلي يتطلب سياسة عمومية متكاملة ومستمرة.
وراء هذا التغيير اللغوي، قد يُقرأ إقرار ضمني بأن الاهتمام السابق لم يكن كافيًا، بل ربما اتّسم بالتقاعس، وترك القاصرين، لا سيما من أوساط هشة، عرضة للإهمال أو حتى الاستغلال. التسمية الجديدة تلمّح إلى محاولة ترميم الثقة، وتأكيد التزام الدولة ليس فقط بالتفاعل مع الأزمات بعد وقوعها، بل بالتحصين المسبق، والتدخل الوقائي، والمواكبة الحقيقية التي تدمج هؤلاء القاصرين كمواطنين كاملي الحقوق.
لكن، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيُترجم هذا التغيير في التسمية إلى تغيير حقيقي في السياسات والنتائج، أم سيظل مجرد طلاء لغوي على جدران منظومة مأزومة؟
سيبدأ العمل بالمديرية الجديدة رسميًا في 3 يونيو 2025، وسط آمال بأن تحمل معها مقاربة جديدة لا تقتصر على البيروقراطية، بل تعيد الاعتبار لحقوق الطفل، وتركّز على التربية والدمج والمواكبة الاجتماعية الحقيقية. لكن يبقى الرهان الأكبر: هل ستنجح كتالونيا في تحويل النظام من جهاز إداري عقيم إلى فضاء يضمن الحماية والكرامة والأفق لهؤلاء القاصرين؟ وهل سينهض المجتمع المدني، وخاصة الفاعلين من أصول مغربية، بدوره في هذه المرحلة المفصلية؟