جالية

إصلاح قانون الأجانب في إسبانيا يدخل حيز التنفيذ.

ما الذي سيتغير في حياة المهاجرين ابتداءً من 20 ماي؟

كتالونيا24 – برشلونة.

ابتداءً من اليوم الاثنين 20 ماي 2025، دخلت التعديلات الجديدة على قانون الأجانب في إسبانيا حيز التنفيذ، في خطوة تعد من بين الأكثر أهمية منذ سنوات في سياسة الدولة تجاه الهجرة. هذه التعديلات، التي أثارت نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية والسياسية، جاءت استجابة لمطالب اجتماعية ومهنية واسعة، وتطرح نفسها كإصلاح طموح يروم التوفيق بين حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين من جهة، وتلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لإسبانيا من جهة أخرى.

من أبرز ملامح هذا الإصلاح إدخال نظام استثنائي لتسوية أوضاع الأشخاص الذين كانوا يقيمون في إسبانيا بشكل غير نظامي قبل 31 ديسمبر 2024. ورغم أن الحكومة تتجنب وصف هذه الخطوة بـ”التسوية الجماعية”، إلا أنها تقر بإطلاق “نظام انتقالي واستثنائي ومؤطر زمنياً” من شأنه أن يفتح الباب أمام تسوية أوضاع مئات الآلاف من الأشخاص، ممن تتوفر فيهم شروط محددة، في مقدمتها غياب السوابق الجنائية والإقامة في وضع هش على التراب الإسباني قبل نهاية العام الماضي. وتقدر بعض المصادر أن هذه الخطوة قد تطال أكثر من 470 ألف شخص.

في الوقت ذاته، شملت التعديلات الجديدة إدخال خمسة أنواع محدثة من تصاريح “الاستقرار” أو ما يعرف بالـ**”Arraigo”**، مع تقليص مدة الإقامة المطلوبة من ثلاث سنوات إلى سنتين. من بين هذه الأنواع “الاستقرار المهني الاجتماعي”، الذي يتيح تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الذين يثبتون عملهم بعقد لا يقل عن 20 ساعة أسبوعياً. كما تمت إضافة صيغة “الاستقرار التكويني”، والتي تُمنح للأشخاص الذين يلتزمون بمتابعة تكوين مهني معتمد، إضافة إلى “الاستقرار بفرصة ثانية”، الموجه للأشخاص الذين فقدوا تصاريحهم في العامين الأخيرين دون ارتكاب مخالفات جسيمة. أما “الاستقرار الاجتماعي والعائلي”، فقد تم تعديله لتسهيل الشروط وتوسيع دائرة المستفيدين، خصوصاً أولئك الذين يرتبطون بعلاقات أسرية أو اجتماعية قوية داخل إسبانيا. وباستثناء تصريح “الاستقرار العائلي” الذي يمنح إقامة لخمس سنوات، فإن باقي الصيغ تمنح إقامة لسنة قابلة للتجديد.

جانب آخر مهم في هذا الإصلاح يتعلق بملف لمّ الشمل العائلي، حيث تم توسيع دائرة المستفيدين بشكل ملحوظ. فقد رفعت الحكومة السن الأقصى للأبناء الذين يمكن استقدامهم من 21 إلى 26 سنة، دون الحاجة لإثبات التبعية الاقتصادية، كما أصبح بإمكان المقيمين استقدام شركائهم العاطفيين حتى دون وجود زواج رسمي أو تسجيل العلاقة كشراكة مدنية، فضلاً عن إمكانية طلب التحاق أفراد من الأسرة الممتدة شريطة إثبات التبعية المادية.

أما الطلبة الأجانب، فقد استفادوا بدورهم من تسهيلات جديدة، أبرزها السماح لهم بالعمل حتى 30 ساعة في الأسبوع، وتمكينهم من متابعة 50% من تكوينهم الدراسي عبر الإنترنت، وهو إجراء يهدف إلى التوفيق بين التكوين الأكاديمي والإدماج المهني. كما تم إطلاق تصريح خاص بالعمال الموسميين يضمن لهم ظروف عمل أكثر إنصافاً وحماية قانونية ضد الاستغلال، خاصة في القطاعات التي تعرف هشاشة واضحة مثل الفلاحة والسياحة.

رغم إشادة العديد من الجمعيات المدنية والكنيسة الكاثوليكية بهذه الخطوة، واعتبارها ضرورية لمعالجة اختلالات النظام الحالي، إلا أن الإصلاح لم يخلُ من انتقادات. فقد تقدمت بعض المنظمات الحقوقية بطعن أمام المحكمة العليا ضد بنود معينة من التعديلات، محذرة من أنها قد تترك أكثر من 200 ألف شخص في وضعية قانونية معقدة، خصوصاً من طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم.

وفي المحصلة، يعكس هذا الإصلاح رغبة الحكومة الإسبانية في تحديث سياستها تجاه الهجرة، بما يضمن العدالة والاندماج ويستجيب في الوقت نفسه لاحتياجات سوق الشغل الإسباني. إلا أن نجاحه الفعلي سيظل مرهوناً بمدى تفعيله الميداني، وبتعاون السلطات المحلية والمجتمع المدني، لضمان ألا تتحول النوايا الطيبة إلى مجرد حبر على ورق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى