العالم

الملك محمد السادس:أقوى ملوك العلويين في السياق التاريخي.

 

لك محمد السادس: 

في حوار أجراه الصحفي حميد المهداوي مع توفيق بوعشرين، أشار الأخير إلى أن الملك محمد السادس يُعتبر أقوى ملك في تاريخ الدولة العلوية، مُستندًا إلى إنجازاته وحكمه المتزن مقارنةً بأسلافه من الملوك العلويين. ولتوضيح هذه الرؤية، يمكن استعراض إنجازات وتحديات الملوك العلويين السابقين، بدءًا من المولى عبد الرحمن إلى الملك الحسن الثاني.

ملوك الدولة العلوية: رؤى مختلفة وتحديات كبرى

المولى عبد الرحمن (1822-1859)

واجه المولى عبد الرحمن تحديات كبرى خلال فترة حكمه، أبرزها التدخل الاستعماري الفرنسي في المنطقة. شكل الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830 نقطة تحول كبرى، حيث اضطر المولى عبد الرحمن إلى التعامل مع تبعات هذا الحدث الذي أثر على استقرار المغرب. على الرغم من محاولاته الحفاظ على استقلال البلاد، كان عليه مواجهة الضغوط الخارجية، مما أضعف موقف الدولة في مواجهة القوى الاستعمارية.

محمد الرابع (1859-1873)

كان حكم محمد الرابع موجهًا نحو الإصلاح وإعادة بناء الجيش المغربي بعد الهزيمة في معركة تطوان (1859-1860) ضد الإسبان. بدأ محاولات لإصلاح الإدارة وتحسين الاقتصاد، لكنه واجه قيودًا كبيرة بسبب الهيمنة الأوروبية على التجارة والسياسة الإقليمية.

الحسن الأول (1873-1894)

شهد عهد الحسن الأول استقرارًا نسبيًا داخليًا، مع التركيز على توسيع النفوذ المغربي في المناطق الصحراوية. قام برحلات تفقدية داخل البلاد لتعزيز الروابط بين المركز والقبائل، كما أطلق إصلاحات إدارية وعسكرية. رغم ذلك، كان عليه مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية من القوى الأوروبية المتزايدة.

مولاي عبد العزيز (1894-1908)

تعرض مولاي عبد العزيز لتحديات داخلية وخارجية هائلة، أبرزها التدخل الاستعماري المباشر. عُرف حكمه بضعف الإدارة وتزايد النفوذ الأجنبي الذي أدى إلى توقيع معاهدات قللت من سيادة المغرب. انتهى حكمه بعزلٍ على يد أخيه مولاي عبد الحفيظ.

مولاي عبد الحفيظ (1908-1912)

ارتبط عهد مولاي عبد الحفيظ بأحداث كبيرة، أبرزها توقيع معاهدة الحماية مع فرنسا عام 1912، التي وضعت المغرب تحت الوصاية الاستعمارية. رغم جهوده لاحتواء الأزمة، فإنه لم يستطع منع سقوط البلاد تحت الهيمنة الأجنبية.

مولاي يوسف (1912-1927)

حكم مولاي يوسف في ظل الحماية الفرنسية، وكان عهده مليئًا بالمقاومة الشعبية ضد الاستعمار، أبرزها انتفاضة عبد الكريم الخطابي في الريف. عمل على الحفاظ على استقرار البلاد بالتعاون مع القوى الاستعمارية، مع محاولات لدعم الهوية الوطنية.

محمد الخامس (1927-1961)

يعتبر الملك محمد الخامس رمزًا للوحدة الوطنية، حيث قاد المغرب نحو الاستقلال. رغم نفيه إلى مدغشقر من قِبل السلطات الفرنسية، ظل رمزًا للمقاومة، وتمكن من العودة مظفرًا واستعادة استقلال المغرب عام 1956. كانت فترة حكمه حاسمة في بناء الدولة الحديثة.

الحسن الثاني (1961-1999)

اتسم عهد الحسن الثاني بالحنكة السياسية والقدرة على تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية. واجه محاولتين انقلابيتين خطيرتين، لكنه نجح في تعزيز استقرار النظام. تمكن من زرع حب قضية الصحراء المغربية في قلوب المغاربة، وأطلق مشاريع كبرى للتنمية، رغم الانتقادات التي طالت بعض سياساته المتعلقة بحقوق الإنسان.

محمد السادس: الملك الإصلاحي والدبلوماسي

في سياق هذه التحديات التاريخية، يظهر الملك محمد السادس كملك استطاع تعزيز قوة الدولة من خلال إصلاحات عميقة ودبلوماسية حكيمة، بعيدًا عن الأزمات التي واجهها أسلافه. من أبرز إنجازاته:

  1. الإصلاحات السياسية والدستورية: أطلق دستور 2011 الذي منح صلاحيات أوسع للبرلمان والحكومة، مؤسسًا لمرحلة جديدة من الحكم.
  2. التنمية الاقتصادية والاجتماعية: أشرف على مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتوسيع البنية التحتية.
  3. تعزيز مكانة المغرب دوليًا: أعاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وقاد مبادرات لتعزيز التعاون جنوب-جنوب.
  4. القضية الوطنية: واصل الدفاع عن مغربية الصحراء عبر مشاريع تنموية بالأقاليم الجنوبية وكسب تأييد دولي واسع.

مقارنة شاملة

عند مقارنة الملك محمد السادس مع أسلافه، نجد أن قوته تكمن في قدرته على تحقيق الاستقرار في ظل التحولات العالمية المعقدة، وإرساء نموذج حكم يجمع بين الحداثة والتقاليد. لم يواجه الملك محمد السادس محاولات انقلاب أو نفي كوالده وجده، لكنه استطاع بناء قوة ناعمة جعلت المغرب نموذجًا للاستقرار في المنطقة.

خاتمة

إن وصف الملك محمد السادس بأنه أقوى ملوك العلويين لا ينتقص من إنجازات أسلافه، بل يبرز تفرده في قيادة المغرب نحو مرحلة جديدة من التقدم والازدهار، مستفيدًا من دروس الماضي لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى