ق.م.
الله يرحم من رباك. جملة من سياق اخر يكاد يكون غريبا على مسامع بعض الاجيال او غير مفهوم بالمرة و لكنه يختزل ثقافة شعب و هوية اجيال متعاقبة تواترت على الاعتزاز بهذه الشهادة و الفخر بمراميها و معانيها.
هذا الدعاء تجاوب حضاري مغربي بعمقه الديني الذي يستمد روحه من الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد ان المؤمن يستمر فعل خيره للناس و له حيث لا ينقطع عمله بوفاته ومما ورد في ذلك: حديث أبي هريرة ، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له، ) و الشاهد في قوله: صدقة جارية يعني: بعد الموت تبقى له هذه الصدقة؛ يحبس ملكية عقارية تُؤجَّر، وتُصرف أجرتُها في الفقراء والمساكين، في تعمير المساجد، في مُساواة الأقارب، إلى غير هذا.
وهذا معنى صدقة جارية، يعني: الأصل موجود، وثماره تمشي، سواء كانت الثمرة دراهم، أو حبوبًا، أو ثمارًا، أو غير هذا مما يدره العقارُ المُسْبَل.
أو علم يُنتفع به وهذا فيه فضل العلم، وأن المعنى: الإنسان إذا مات وخلف كتبًا أو تلاميذ قد انتفعوا به، بقي له الأجرُ مُستمرًّا في التلاميذ وتلاميذ التلاميذ الذين تعلَّموا، والكتب التي ألَّفها، وفي المحاضرات والنَّدوات التي أقامها، وانتفع بها الناسُ، يبقى له أجرٌ.
أو ولد صالح يدعو له كذلك يلحقه دعاءُ أولاده، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ولَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، فالدعاء ….. من الأولاد وغيرهم، لكن من الولد الصالح له مزية وخصوصية، إذا دعا لوالده بإحسانه إليه.
فالهوية المغربية المسنودة بالتربية الحسنة المستمدة من تعاليم الدين و المتوازنة بالاحترام المفروض للغير و بقبول الاختلاف والالتزام بالاعتدال هي صمام الامان للاجيال في مواجهة غول الحضارة المتوحشة و التي تهرول بمفاهيم الربح السريع وتغليب الماديات و تحقير الأديان و المعتقدات و تعميق الخلافات من اجل الارباح السياسوية و التجمعات الاستهلاكية،
و تظل الهوية هذه، في ظل مبادئها المنسجمة مع روح الانظمة الديمقراطية الضامنة للحقوق و الحريات و المؤمنة بالتعددية والاختلاف و بالعمل الجدي و الاجتهاد و البحث و الابتكار و بالحفاظ على الثقافة و ارث الاجداد هي الحصن المكين لابناء الجالية و ايضا، احد سبل السلطات و الادارات لتجنيب هذا الجيل من انحرافات جارفة لا تبقي و لا تذر، فلقد صدق من قال ان الخير يبنيه الخيرون، فإذا تم تم أنعم.