متفرقات

باديا ديل فاليس تحتفل بخمسين عامًا على تأسيسها في حضور العاهل الإسباني: رمزية الذاكرة ودفء الانتماء “صور”.

أحمد شويخين – باديا جهة برشلونة.

ليست باديا ديل فاليس (Badía del Vallès)، الواقعة شمالي برشلونة، مجرد مدينة عادية في محيطها الجغرافي أو العمراني، بل تمثل نموذجًا فريدًا للتجربة الحضرية في إسبانيا المعاصرة. تأسست هذه المدينة سنة 1975 في سياق اجتماعي وسياسي استثنائي، إذ تزامن افتتاحها الرسمي يوم 14 يوليوز من ذلك العام مع المراحل الأخيرة من عهد الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، وحضر مراسم تدشينها حينها ولي العهد آنذاك خوان كارلوس برفقة الأميرة صوفيا، حيث قاما بتسليم مفاتيح أولى المساكن الاجتماعية لسكانها الأوائل.

جاء هذا المشروع في إطار محاولة الدولة التخفيف من أزمة السكن الخانقة التي عرفتها إسبانيا في سبعينيات القرن الماضي، إذ خُصصت المئات من الشقق للعائلات العاملة القادمة من مناطق مختلفة، والتي شكلت نسيجًا متنوعًا للمدينة الجديدة. ومع مرور السنوات، تحولت العديد من هذه المساكن إلى ملكيات خاصة، بعضها بات يُطرح في السوق الحرة.

وبعد مرور نصف قرن، شهدت المدينة يوم الاثنين 23 يونيو 2025، لحظة رمزية مفعمة بالحنين والاعتزاز، حيث عاد الملك فيليبي السادس رفقة الملكة ليتيزيا إلى باديا ديل فاليس في زيارة رسمية بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس المدينة، في حدث شكّل جزءًا من جولة ملكية شملت أيضًا زيارة دير مونتسيرات بمناسبة مرور ألف عام على إنشائه.

في باديا، استقبل المئات من السكان الملك والملكة بحفاوة كبيرة، وارتفعت الأعلام الإسبانية وهتافات “عاش الملك” و”عاشت إسبانيا”، في مشهد استثنائي يجسد مشاعر الفخر والانتماء التي يكنّها جزء واسع من السكان لهذه المدينة الفريدة. ورافقت العاهلين شخصيات بارزة من بينها رئيس حكومة كتالونيا، سلفادور إيلا، ورئيسة مجلس مقاطعة برشلونة لويسا موريت، وعمدة باديا، جوزيب مارتينيز، إضافة إلى وزيرة الإسكان الإسبانية إيزابيل رودريغيز، والوفد الرسمي لمؤسسات الدولة.

زار العاهلان مركز “بير كلابر – فونداشيون طالييرس” المخصص للأشخاص في وضعية إعاقة، حيث أجروا حوارًا مفتوحًا مع المستفيدين والعاملين، كما تفقدا مراكز شبابية واجتماعية أخرى ضمن نسيج المدينة. وخلال إحدى المحطات، مازح الملك بعض الشباب قائلاً: “ربما بعد 30 أو 40 عامًا ستصبحون أنتم من يستقبل ملكة إسبانيا القادمة”، في إشارة إلى استمرار رمزية التتويج والوفاء للمكان.

كما جرى خلال المناسبة تدشين مُجَسَّم جداري تذكاري رسمه فنانون محليون وشارك فيه السكان، ليخلد ذاكرة المؤسسين والجيل الأول الذي انتقل إلى باديا في سبعينيات القرن الماضي. واعتبره الكثيرون علامة عرفان “لمن بنوا هذه المدينة بأيديهم”، كما قال أحد سكانها.

ورغم الطابع الاحتفالي الكبير، لم تخلُ الزيارة من بعض التوترات الرمزية، إذ منعت الشرطة الكتالونية نحو عشرين متظاهرًا من الجمعية الوطنية الكتالونية (ANC) من الوصول إلى وسط المدينة، بعد أن تجمعوا في ساحة إسبانيا ببلدة باربيرا المجاورة، احتجاجًا على الزيارة التي اعتبروها “سياسية” و”تطبيعية” في ظل الصراع المستمر بين دعاة الانفصال والدولة المركزية.

في المقابل، وصف مجلس بلدية باديا الزيارة بأنها “لحظة تاريخية وشهادة امتنان لمدينة بأكملها، ولمن كرسوا حياتهم من أجل نموها واستقرارها وتقدمها”، مؤكدًا أن حضور الملك والملكة هو اعتراف رسمي بالجهود التي بُذلت خلال خمسة عقود لتجاوز التحديات وتحقيق التماسك الاجتماعي في مدينة وُلدت من رحم الحاجة والكرامة.

هكذا مرت الذكرى الخمسون لباديا ديل فاليس في أجواء احتفالية، هادئة وعميقة في رمزية المكان والذاكرة، تاركة أثرًا وجدانيًا في نفوس السكان الذين رأوا في هذه الزيارة تكريمًا صريحًا لتاريخهم الجماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى