مجتمع

بين الثقافة والقانون: واقعة “مداعبة طفل” بتراسة تثير الجدل داخل الجالية المغربية.

أحمد العمري- تراسا جهة برشلونة.

شهدت مدينة تيراسا، بجهة برشلونة، واقعة أثارت نقاشًا حادًا داخل أوساط الجالية المغربية، بعد أن قام رجل مغربي بتقبيل طفل صغير من أصول مغربية بالقرب من مسجد بدر، ما دفع والد الطفل إلى تقديم بلاغ لدى الشرطة يتهم فيه الرجل بمحاولة التحرش بطفله.

الواقعة، التي وقعت نهاية الأسبوع المنصرم، تحولت سريعًا إلى حديث الشارع بين أفراد الجالية، بين من استنكر سلوك الأب واعتبره “تغليبًا للرؤية الغربية على ثقافتنا المغربية”، وبين من رأى في تحرك الأب موقفًا مسؤولًا لحماية طفله في سياق قانوني ومجتمعي مختلف تمامًا عن السياق المغربي.

في الثقافة المغربية، لا تُعتبر بعض الأشكال من التقرب الجسدي للأطفال، مثل التقبيل أو المداعبة البريئة، سلوكًا مريبًا أو خارجًا عن المألوف، بل تُفهم غالبًا على أنها تعبير عن المودة والحنان. لكن في السياق الكتلاني والإسباني، تخضع هذه الأفعال لتأويلات قانونية صارمة، قد تُصنّف في بعض الحالات تحت بند التحرش أو الإيذاء الجنسي، خصوصًا إذا لم يكن بين الطرفين علاقة قرابة مباشرة.

وفي تصريح خصّ به كتالونيا24، أفاد أحد شهود العيان أن “الشرطية التي حضرت إلى مكان الحادث كانت تؤكد للرجل أنه في مثل هذه الحالات يتم اعتقال المعني بالأمر ويُقدَّم في اليوم التالي أمام النيابة العامة، التي لها الصلاحية في تكييف القضية”. وأضاف الشاهد أن “الشرطية، رغم ذلك، قررت استثناءً السماح للرجل بعدم المبيت في الحجز، وطلبت منه الحضور في اليوم التالي على الساعة الثالثة زوالًا للاستماع إلى الطرفين”.

تطرح هذه الواقعة تساؤلات عميقة حول التباين الكبير في المفاهيم والتصورات بين الثقافتين المغربية والإسبانية، وخاصة ما يتعلق بسلوكيات يعتبرها البعض “طبيعية” بينما تُعد في القانون المحلي “تجاوزات”. وهو ما يعيد إلى الواجهة الحاجة الماسة للتحسيس والتوعية داخل الجالية، خاصة لدى القادمين الجدد أو كبار السن الذين لم يتمكنوا بعد من استيعاب طبيعة السياق القانوني والاجتماعي الذي يعيشون فيه.

كما يطرح الحادث سؤالًا صادمًا: هل بلغ التوتر داخل الجالية المغربية حدَّ تبادل الاتهامات أمام الشرطة في مواقف كان يمكن احتواؤها بالحوار والحكمة؟ أين اختفى منطق التآزر وروح التضامن التي طالما ميّزت الجالية المغربية في المهجر؟

ما زاد من حدة الجدل هو غياب واضح للفعاليات المدنية والجمعوية بالمدينة، التي كان من المفروض أن تضطلع بدور الوساطة، وتنظم لقاءات توعوية لتحصين الجالية ضد مثل هذه الاصطدامات الثقافية. غير أن العديد من الأصوات انتقدت ما وصفته بـ”الصمت التام” لهذه الجمعيات، التي لا يظهر نشاطها إلا في مناسبات بروتوكولية وصور مع المسؤولين.

إن هذه الحادثة المؤسفة، رغم طابعها الفردي، تدق ناقوس الخطر بشأن حاجة الجالية المغربية بإسبانيا إلى مراجعة ذاتية، وإلى آليات دائمة للتأطير الثقافي والقانوني، لتفادي السقوط في فخ التوترات التي لا تخدم أحدًا، وتُفقدنا ما تبقى من الثقة والتماسك المجتمعي.

نرى أن هذه الحادثة، رغم بساطتها الظاهرة، تكشف عمق الفجوة التي قد تنشأ بين الموروث الثقافي والتشريعات المحلية في بلدان المهجر. ومن هنا، فإن مسؤولية التوعية لا تقع فقط على الأفراد، بل هي أيضًا مسؤولية مشتركة بين الفاعلين المدنيين، المساجد، المدارس، والإعلام المجتمعي.

ندعو الجمعيات المغربية والمسلمة بمدينة تيراسا إلى تجاوز منطق المناسباتية نحو تأسيس فضاءات دائمة للحوار والتحسيس، تعمل على شرح القوانين المحلية لأفراد الجالية بلغة بسيطة، مع احترام قيمهم وموروثهم الثقافي، دون صدام أو إنكار لواقع المجتمع المضيف.

كما نحث على تعزيز ثقافة التحكيم المجتمعي وتفعيل قنوات الوساطة الداخلية، قبل اللجوء مباشرة إلى مؤسسات الدولة، لأن الحكمة والاحتواء يبقيان دائمًا أولى من التسرع في الاتهام أو التصعيد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى