بين مطرقة العمل وسندان الهوية: المرأة المسلمة في المهجر تعايد من المكتب.

أحمد العمري- برشلونة.
“أكيد إن المرأة الأولى التي نادت بحرية المرأة والمساواة في العمل ما كانتش عارفة عندنا العيد الصغير والعيد الكبير وعايشين في الخارج، وإلا كنا بقينا فيها، حنا خدامين والناس معيّدة.”
بهذه الكلمات الصادقة والعفوية، دوّنت نعيمة العرفة القدسي، المستشارة الجماعية الإسبانية من أصل مغربي، وجعًا يتقاسمه آلاف النساء المسلمات في أوروبا: وجع الغربة، ومرارة العمل في يوم من المفترض أن يكون يوم عيد.
تدوينة القدسي، التي نُشرت بمناسبة عيد الأضحى، ليست مجرد تعبير شخصي، بل هي صرخة مجتمعية تكشف عن هشاشة واقع المرأة المسلمة المهاجرة، التي تجد نفسها ممزقة بين الواجب المهني والحاجة الوجدانية إلى الاحتفال والسكينة والروحانية في كنف الأسرة والمجتمع.
لا يخفى على أحد أن عيد الأضحى ليس عطلة رسمية في إسبانيا، رغم وجود اتفاقية 1992 بين الدولة الإسبانية والمفوضية الإسلامية، التي تنص على احترام الأعياد الدينية للمسلمين ومنحهم الحق في أخذ عطلة بها. لكن على أرض الواقع، يظل كثير من المسلمين، رجالاً ونساءً، رهائن لظروف العمل والبيروقراطية والتمييز أحيانًا، حيث يغيب التنزيل العملي للاتفاقيات، ويبقى العيد “فرحة مؤجلة”.
المرأة، في هذا السياق، تتحمل عبئًا مضاعفًا. فهي، إلى جانب عملها، تلعب دور العمود الفقري للأسرة. وفي وقت يفترض أن تكون فيه وسط أهلها، تحضر أجواء العيد وهي تؤدي عملها في المكتب، أو المطبخ، أو الورشة.
تطرح هذه الحالة سؤالًا جوهريًا حول دور المفوضية الإسلامية في إسبانيا وباقي الهيئات التمثيلية التي يُفترض أن تدافع عن الحقوق الدينية للمسلمين، بما في ذلك الحق في التمتع بعطلة رسمية خلال عيدَي الفطر والأضحى.
ثلاثة عقود مرّت على توقيع اتفاقية 1992، ومع ذلك، لا يزال كثير من الحقوق حبرًا على ورق. فهل يعقل أن تكون المرأة المسلمة في المهجر مطالبة بالاندماج والمشاركة والفعالية، في حين لا تجد تمثيلياتها الجرأة أو الكفاءة لفرض حق بسيط في عطلة دينية؟
تدوينة نعيمة العرفة ليست فقط حنينًا للبيت، بل هي تذكير بأن معركة المرأة المسلمة المهاجرة ليست فقط ضد الزمن وضغط العمل، بل أيضًا ضد سياسة التهميش والصمت المؤسساتي. هي دعوة لإعادة النظر في مفهوم “الاندماج” الذي لا يجب أن يعني الذوبان في ثقافة الأغلبية، بل الاعتراف بالخصوصية الدينية والثقافية واحترامها.
ختامًا، إن ما يلفت الانتباه في هذه الرسالة الصامتة هو أنها صادرة من امرأة فاعلة داخل المؤسسة الإسبانية، مما يعكس أن الإشكال لم يعد متعلقًا بمن هم خارج النظام، بل بمن هم في قلبه أيضًا.
عيد مبارك لمن استطاع إليه سبيلا، ويوم طيب لكل من ظلّ يحمل العيد في قلبه، حتى من وراء المكاتب.