تراسة بجهة برشلونة: استياء من تراجع الجمعيات مقابل تكافل المقاولين المغاربة في إفطار رمضان.
تراجع الفعاليات والجمعيات المدنية عن توفير إفطار رمضاني للصائمين يُثير الاستياء.
أحمد العمري / برشلونة.
شهدت مدينة تراسة بجهة برشلونة تراجعًا ملحوظًا في تنظيم موائد الإفطار الرمضانية هذا العام، مما أثار استياءً واسعًا بين المستفيدين، خاصة الفئات الهشة التي كانت تعتمد على هذه المبادرات خلال الشهر الكريم.
طوال السنوات الماضية، كانت العديد من الجمعيات المدنية والدينية تشرف على تنظيم هذه المبادرات، ومن أبرزها مبادرة سلة الرحمان التي أطلقتها الجمعية الإسلامية بدر بتراسة، حيث كان شباب متطوعون يشرفون على توزيع قفة رمضانية للعائلات المحتاجة بشكل أسبوعي في مقر الجمعية بالمسجد. غير أن المبادرة تم نقلها في السنة الماضية إلى أحد المحلات التجارية، حيث يشرف عليها متطوعون دون الدعم الكافي من الجمعية. هذا العام، اقتصر دور الجمعية الإسلامية بدر على تقديم وجبة إفطار رمضانية، لكنها افتقدت إلى أحد العناصر الأساسية في المائدة المغربية، وهي الحريرة، مما أثار استياء العديد من المستفيدين.
وأكدت مصادر مقربة من الجمعية أن الصراعات الداخلية والتجاذبات بين القائمين على التسيير داخل مسجد تراسة كانت وراء هذا التراجع. فالمسجد، الذي كان يُعتبر أحد أبرز المراجع الإسلامية في كتالونيا، أصبح يعاني من سوء التسيير وتعاقب إدارات , ومكاتب ضعيفة، ما أدى إلى تركيز الجهود على الصراعات القبلية بدل الاهتمام بالمبادرات الدينية والإحسانية.
لم تكن الجمعية الإسلامية بدر الوحيدة التي خيبت آمال الجالية، إذ قامت بعض الجمعيات الأخرى بجمع التبرعات، لكن ليس لتنظيم موائد إفطار للفئات المحتاجة، بل لإقامة حفلات إفطار على شرف المسؤولين الرسميين في بلدية تراسة وبعض المصالح الأخرى، إضافة إلى استقبال وفد من القنصلية المغربية ببرشلونة. ووفقًا لمصادر من داخل إحدى هذه الجمعيات، فقد تم جمع حوالي 5000 أورو، مع استمرار البحث عن 1000 أورو إضافية، بينما ظلت الجالية المغربية، وخاصة الفئات المحتاجة، آخر من يتم التفكير فيهم.
هذا التوجه نحو المجاملات لم يقتصر على مدينة تراسة فقط، بل هو عرف تتسابق إليه بعض الجمعيات الكبرى في برشلونة، والتي أصبحت تركز على تنظيم فعاليات لاستقبال الشخصيات الرسمية والتقاط الصور معهم بدل تقديم خدمات فعلية للجالية. فبدل توجيه الجهود نحو مساعدة المحتاجين ودعم الفئات الهشة، باتت الأولوية لدى بعض هذه الجمعيات هي بناء علاقات مع المسؤولين وتحقيق مكاسب شخصية.
وفي ظل هذا الغياب شبه التام للفعاليات المدنية، برزت مبادرات إيجابية قادتها بعض الفعاليات النسائية، وعلى رأسها مبادرة الحاجة فوزية، رئيسة جمعية النساء المغربيات بكتالونيا، التي تقدم دعمًا ملموسًا للجالية عبر توفير وجبات إفطار للمحتاجين. كذلك، تألقت مبادرة أيادي فاطمة التي، رغم تعذر تنظيم موائد إفطار مفتوحة، نجحت في تحويل المبادرة إلى تقديم وجبات يومية لنزلاء المستشفيات في برشلونة وبعض السجون بالجهة، مما يعكس روح التضامن الحقيقية لشهر رمضان.
إضافة إلى ذلك، برزت مبادرة إيجابية من قبل مجموعة من المقاولين المغاربة، الذين قاموا بتنظيم موائد إفطار وعشاء مجانية في أحد مطاعم مدينة تراسة ، مما ساهم في سد الفراغ الذي تركته الجمعيات. هذه المبادرات الإنسانية أكدت على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني ورجال الأعمال المغاربة في دعم الجالية، خصوصًا في ظل وجود عدد كبير من المغاربة في وضعية غير قانونية أو يمرون بظروف صعبة.
كما كانت هناك مبادرة مميزة من الجمعية المغربية الكتلانية للتعاون والتنمية بسانتا كولوما ، التي قامت بتوزيع قفة رمضان على العائلات المحتاجة، مساهمة بذلك في دعم الفئات الهشة خلال هذا الشهر الفضيل.
إن هذا الوضع يعكس الحاجة الملحة لإعادة النظر في طريقة عمل الجمعيات الإسلامية والمدنية، وضمان أن تكون الأولوية للمحتاجين بدل الاهتمام بالمجاملات الرسمية. فشهر رمضان يُفترض أن يكون فرصة لتعزيز قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، وليس مناسبة للصور والمجاملات السياسية.