خلفية العلاقات بين إسبانيا وفنزويلا، وقطعها بين البلدين.
كتالونيا24.
دعا رئيس البرلمان الفنزويلي، خورخي رودريغيز، الحكومة الفنزويلية مؤخرًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بالكامل مع إسبانيا. يستند هذا النداء إلى ما يعتبره النظام الفنزويلي تدخلاً مستمرًا في شؤونه الداخلية من قبل الحكومة الإسبانية، إلى جانب دعمها للعقوبات الدولية ضد نظام نيكولاس مادورو.
اتهم رودريغيز، الذي يعد شخصية رئيسية في حكومة مادورو، إسبانيا بدعم جهود زعزعة الاستقرار في فنزويلا. وفي تصريحاته، أشار إلى أن تصرفات الحكومة الإسبانية، خاصة تحت قيادة بيدرو سانشيز، كانت عدائية تجاه فنزويلا. وبحسب رودريغيز، فإن هذه التصرفات جزء من سياسة التدخل التي تدفعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يدعمان المعارضة الفنزويلية ويسعيان لعزل مادورو دبلوماسيًا.
واحدة من النقاط الحرجة في العلاقة بين البلدين هي اعتراف الحكومة الإسبانية بخوان غوايدو كرئيس مؤقت لفنزويلا في عام 2019، بما يتماشى مع موقف العديد من الدول الغربية. وعلى الرغم من أن إسبانيا تبنت موقفًا أكثر مرونة في السنوات الأخيرة، ساعيةً إلى تعزيز الحوار والمفاوضات بين الأطراف المتنازعة داخل فنزويلا، فإن إدارة مادورو لا تزال تحمل شكوكًا كبيرة تجاه مدريد.
دعوة رودريغيز لقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية تعكس التباعد المتزايد بين فنزويلا والعديد من الدول الأوروبية، وتسلط الضوء على السياسة الدولية للحكومة الفنزويلية التي تفضل العلاقات مع حلفاء مقربين مثل روسيا والصين وإيران وتركيا، وهي دول قدمت دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا في مواجهة العقوبات الدولية.
هذا ليس الحادث الأول الذي يقترح فيه النظام الفنزويلي قطع العلاقات مع دول تنتقد نظام حكمه أو تدعم العقوبات ضده. فقد قطعت فنزويلا في السابق العلاقات الدبلوماسية مع كولومبيا والبرازيل وعدة دول في أمريكا الوسطى ردًا على مواقفها من الأزمة السياسية الفنزويلية.
قد تؤثر العواقب المحتملة لهذا القطع على اقتصاد كلا البلدين، وكذلك على الجالية الفنزويلية المقيمة في إسبانيا، والتي زاد عددها بشكل كبير بسبب أزمة الهجرة الناتجة عن الوضع السياسي والاقتصادي في فنزويلا.
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا وفنزويلا توترات متزايدة خلال العقدين الماضيين، وقد تأثرت بشكل كبير بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الأزمات بين البلدين كانت نتيجة للاختلافات الأيديولوجية العميقة بين الحكومتين، إضافة إلى المشكلات الداخلية التي تواجهها فنزويلا والتي انعكست على علاقاتها الخارجية.
تاريخيًا، كانت العلاقات بين إسبانيا وفنزويلا وثيقة، بسبب الروابط الثقافية والهجرة والاستثمارات الاقتصادية. خلال القرن العشرين، هاجر الآلاف من الإسبان إلى فنزويلا بحثًا عن فرص أفضل، وأصبحت فنزويلا وجهة رئيسية للاستثمار والتجارة الإسبانية في أمريكا اللاتينية.
لكن مع وصول هوغو تشافيز إلى السلطة في فنزويلا عام 1999، وتحول السياسة الفنزويلية نحو الاشتراكية والمعاداة للإمبريالية، بدأت العلاقات مع إسبانيا تتدهور. زادت التوترات خلال فترة حكم خوسيه لويس ثاباتيرو، حيث بدأت العلاقة ودية نسبيًا مع تشافيز، ولكن سرعان ما تفاقمت الخلافات. ويتجلى ذلك في القمة الإيبيرية الأمريكية عام 2007 عندما وجه الملك خوان كارلوس الأول لتشافيز عبارة “لماذا لا تصمت؟” خلال نقاش حاد.
مع تولي نيكولاس مادورو السلطة في عام 2013 بعد وفاة تشافيز، لم تتحسن الأوضاع. تفاقمت الأزمة السياسية والاقتصادية في فنزويلا، إلى جانب الاتهامات الدولية بانتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة، مما زاد من تعقيد العلاقات مع إسبانيا.
تبنت حكومة ماريانو راخوي موقفًا ناقدًا تجاه مادورو، حيث دعمت المعارضة الفنزويلية وأدانت تدهور الديمقراطية في البلاد. وتزايد هذا الدعم في عام 2017 عندما كانت إسبانيا من أولى الدول التي رفضت الجمعية التأسيسية الوطنية التي دعا إليها مادورو، والتي اعتبرها كثيرون غير شرعية.
وصلت الأزمة بين البلدين إلى ذروتها في عام 2019 عندما اعترفت إسبانيا، إلى جانب دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، بخوان غوايدو رئيسًا مؤقتًا لفنزويلا بعد إعلانه ذلك في خضم مظاهرات ضد مادورو. هذا القرار أغضب حكومة مادورو التي اتهمت إسبانيا بالتدخل في شؤونها الداخلية.
تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بعد لجوء زعيم المعارضة الفنزويلية، ليوبولدو لوبيز، إلى مقر إقامة السفير الإسباني في كاراكاس في أبريل 2019. غادر لوبيز فنزويلا في عام 2020 واستقر في إسبانيا، وهو ما اعتبرته حكومة مادورو استفزازًا مباشرًا. ورغم ذلك، لم يحدث قطع كامل للعلاقات، لكن الحكومة الفنزويلية استمرت في إبداء استيائها من الموقف الإسباني.
في عام 2021، ومع وصول بيدرو سانشيز إلى رئاسة الحكومة الإسبانية، توقع البعض حدوث تغيير في الموقف الإسباني. لكن الدعم لغوايدو والانتقادات لإدارة مادورو استمرت. ومع ذلك، حاول سانشيز الحفاظ على موقف أكثر اعتدالًا، باحثًا عن توازن بين الضغط الدبلوماسي والحوار.
تعكس التوترات بين إسبانيا وفنزويلا المشهد الدولي المعقد المحيط بفنزويلا، حيث انقسمت الدول بين مؤيدة ومعارضة لحكومة مادورو. وعلى الرغم من الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة في فنزويلا وتأثيرها على العلاقات مع إسبانيا، إلا أن هناك مصلحة مشتركة في الحفاظ على بعض الروابط، خاصة مع وجود جالية فنزويلية كبيرة في إسبانيا واستثمارات إسبانية في فنزويلا.