مغاربة العالم

عبد الله بيضوض قنصلًا عامًا بالجزيرة الخضراء: رجل الدولة الهادئ في مهمة جديدة لخدمة الجالية وصون صورة الوطن.

أحمد العمري – إسبانيا.

بكل ترحيب واستبشار، استقبل مغاربة الجزيرة الخضراء والمناطق المجاورة تعيين السيد عبد الله بيضوض قنصلًا عامًا جديدًا للمملكة المغربية بالجزيرة الخضراء، خلفًا لمسار دبلوماسي مميز بصم عليه الرجل في محطات مختلفة، أبرزها قنصليتا برشلونة وبالما دي مايوركا. ويُعدّ هذا التعيين فرصة جديدة أمام الجالية المغربية للاستفادة من تجربة رجل إداري متمرّس ودبلوماسي هادئ الطباع، شديد الالتزام والانضباط، لا يرضى بالحلول الترقيعية ولا يتهاون في خدمة مصالح المواطنين.

عبد الله بيضوض ليس اسمًا عابرًا في سجل القناصلة المغاربة، بل هو واحد من الأسماء التي تركت أثرًا عميقًا في كل موقع تولّت فيه المسؤولية. ومن يتتبّع تجربته في برشلونة، سيستحضر حتماً مسارًا استثنائيًا بدأه بنقل القنصلية العامة من مقرها القديم بضيق مساحاته وضعف تجهيزاته في زنقة روكافور إلى المقر الجديد بشارع بوجاداس، في عملية دقيقة لم تتوقف فيها الخدمات الإدارية ليوم واحد. ورغم تعقيدات المرحلة، لا سيما تزامنها مع تفشي وباء كوفيد-19، وفرض الحجر الصحي، وإغلاق الحدود، أبان بيضوض عن قدرة عالية على تدبير الأزمات، حيث سهر شخصيًا على إيواء العشرات من المغاربة العالقين، وتوفير التغذية والرعاية الصحية للمرضى منهم، إلى حين تأمين عودتهم إلى أرض الوطن ضمن مقاربة تراعي أولوية الاستحقاق والوضعية الصحية والاجتماعية.

واحدة من أبرز محطات عمله في برشلونة كانت ورش الأرشفة الضخم لسجلات الحالة المدنية، حيث إكتشف وجود آلاف الوثائق غير المسجلة تعود لفترات سابقة، مما كان يهدد مصالح المواطنين وحقوقهم الإدارية، خصوصًا في ما يتعلق بأرشفتها، وهنا بادر القنصل إلى تشكيل خلية عمل داخل القنصلية تعمل لساعات طويلة لإعادة إدماج وتوثيق تلك السجلات بشكل قانوني ورسمي، مع اعتماد نظام أكثر دقة في الحفاظ على ارشيف سجلات الحالة المدنية.

ولم يقتصر حضور عبد الله بيضوض على الجوانب التقنية والإدارية، بل تجاوز ذلك إلى ملفات تتعلق بصون صورة المملكة والدفاع عن وحدتها الترابية في الفضاء العمومي الإسباني. فقد كان له دور محوري في التنسيق مع جمعيات وفعاليات مدنية مغربية لمواجهة الحملات الاستفزازية التي قادتها شرذمة من أنصار جبهة البوليساريو، لا سيما عقب حادثة إنزال العلم الوطني من فوق القنصلية المغربية بفالنسيا. ومع انتقال موجة الاحتجاجات المفتعلة إلى برشلونة، برز دور القنصل بيضوض في تهدئة الأوضاع وقطع الطريق أمام محاولات التشويش والتحريض، في وقت كان بعض من بقايا اليسار الكتلاني يناصر تلك التحركات العدائية.

وقد واصل السيد بيضوض التزامه بالشفافية والحكامة الإدارية حينما طالب بإجراء تفتيش داخلي بخصوص التسيير المالي والإداري للقنصلية، وهي العملية التي أسفرت عن كشف خروقات كبيرة انتهت بإحالة المحاسب السابق للقضاء، بينما لا يزال أحد المستخدمين المحليين، وهو موظف سابق في سلك التعليم، في حالة فرار، بعدما أظهرت التحقيقات تورطه في ملفات اختلاس وتلاعبات بالوثائق الرسمية.

وتجدر الإشارة إلى أن حجم الخدمات التي كانت تقدمها القنصلية خلال إشراف عبد الله بيضوض على تسييرها كان يفوق يوميًا حاجز الألف إجراء، تشمل بطاقات التعريف الوطنية، وجوازات السفر، وشهادات السكنى، والإمضاءات، والتصديقات، وغيرها من الخدمات الحيوية التي كانت تتم رغم النقص الحاد في الموارد البشرية، نتيجة تراكم رخص المرض المرتبطة بوباء كوفيد-19، والتي وصلت أحيانًا إلى أكثر من عشرة موظفين في آنٍ واحد. ومع ذلك، استمر العمل بوتيرة مرتفعة، مقارنةً بما يسجّل اليوم من عدد معاملات لا يتجاوز في أحيان كثيرة 400 إجراء، رغم مضاعفة الموارد البشرية وتحسين ظروف العمل.

أما في بالما دي مايوركا، فقد واصل القنصل عبد الله بيضوض نهجه الإداري الصارم، وحرصه على تقريب الإدارة من المواطن، وتعزيز حضور المغرب الرسمي في مواجهة الاستفزازات، خصوصًا من طرف بعض الجهات الانفصالية التي حاولت زرع التوتر داخل أوساط الجالية، دون أن تنجح في ذلك أمام الحزم والحنكة التي عرف بها الرجل، وقدرته على تطويق الأزمات، وفرض منطق سيادة القانون وهيبة المؤسسة.

اليوم، يحل عبد الله بيضوض بمدينة الجزيرة الخضراء، محمّلاً بتجربة غنية، وثقة كبيرة من الدولة، ليباشر مرحلة جديدة من مساره المهني، في منطقة تعتبر بوابة العبور نحو الجنوب الإسباني، وتضم جالية مغربية وازنة تطمح إلى تطوير الخدمات القنصلية، والارتقاء بمستوى المعاملة والتجاوب الإداري. ويعلّق المتتبعون آمالًا واسعة على هذا التعيين، آملين أن يواصل الرجل ما اعتاده من جديّة، ومهنية، وقرب من المواطنين، مع تعزيز حضور المغرب الرسمي والدبلوماسي في واحدة من أبرز النقاط الجغرافية بإسبانيا.

من المؤكد أن هذا التعيين ليس مجرّد انتقال إداري روتيني، بل هو استثمار في كفاءة مغربية حقيقية، أثبتت في أكثر من محطة أنها أهل للمسؤولية، وأنها حين تُكلّف، تُنجز، وحين تُواجه، تنتصر للمؤسسة، ولصوت الوطن والمواطنين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى