فرنسا .. مشروع إصلاح نظام التقاعد و تعديله يشعل فتيل أزمة بين شعب و حكومتها
وهيبة العلمي
لازالت فرنسا تشهد أياما أخرى من التظاهرات و الإحتجاجات على إصلاح نظام التقاعد ، و الذي أقره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد اجتماع طارئ بينه و بين رئيسة الوزراء الفرنسية الجديدة إليزابيت بورن ، باستخدام الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور لتمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد دون التصويت من قبل أعضاء البرلمان لرفع السن القانوني للتقاعد من 62 إلى 64 عاما ، و هذه الأداة الدستورية تسمح بتجنب الرفض من قبل البرلمان و لا يمكن إعاقته إلا من خلال سحب الثقة الذي يوافق عليه البرلمان أجمع .
الدولة تعتبر هذا القانون ضروريا للحفاظ على ميزانية المعاشات التقاعدية و لحماية نظامها من الإفلاس ، حيث سيوفر 17 مليار يورو سنويا بحلول سنة 2030 ، بينما رفض 85٪ من المواطنين الفرنسيين هذا الإصلاح باعتباره إصلاحا جائرا و غير عادل و أنه إصلاح إديولوجي ليبرالي يخدم فئة معينة من الشعب (الأثرياء – أصحاب الشركات – أرباب العمل) ، و سيظلم الفئات المتوسطة التي بدأت العمل في سن مبكرة (أي قبل سن العشرين) ، كما لاقى إعتراضا كبيرا من قبل الإتحادات النقابية و الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان الفرنسي).
تفاقم الغضب بين المحتجين و أعضاء البرلمان الفرنسي عقب نجاة حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من اقتراحين لسحب الثقة في البرلمان ، و ذلك بهامش ضئيل على خلفية خطط إصلاح نظام التقاعد الذي أدى إلى تظاهرات و إحتجاجات في عدة مدن ، و التي بدورها أدت إلى تدخل الأمن الفرنسي باستخدام خراطيم المياه و الغاز المسيلة للدموع بعد محاولة المحتجين تدمير موقع أوبليك في ميدان الكونكورد أمام البرلمان بالعاصمة باريس ، و كذلك سارع رجال الإطفاء إلى إخماد حرائق اندلعت بأكوام القمامة في عدد من أرقى شوارع فرنسا و التي تراكمت نتيجة لعدم جمعها لعدة أيام بسبب إضراب عمال النظافة ،
كما كانت هنالك إشتباكات عنيفة بين المتظاهرين و الشرطة الفرنسية أدت إلى اعتقال عدد كبير منهم خلال الاحتجاجات وسط باريس ، و اعتداء الشرطة على صحفيتين خلال تغطيتهما لمسيرات مناهضة لقانون إصلاح نظام التقاعد بمدينة رين ، باستخدام العنف و الألفاظ النابية و محاولة تكسير أجهزة التصوير ، قمع و عنف يشعل فتيل أزمة بين شعب و حكومتها.
الفرنسيون مصممون على إسقاط هذا النظام مهما كلفهم الثمن و ليس لهم أي استعداد للتنازل عن أبسط حقوقهم ، و يعتبرون نظام ماكرون قد أصبح رسميا نظام دولة بوليسية لا تتماسك إلا من خلال قمع و إدانة المعارضين ، و يجب المطالبة بخروج الناتو و الإتحاد الأوروبي و جميع الهيئات التي تحرمهم من سيادتهم الوطنية ، بينما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبرر استخدام الفقرة الثالثة من المادة 49 لأعضاء الحكومة قائلا : ” كانت نيتي و إرادتي السياسية أن أذهب إلى التصويت ، لكنني أعتبر أن المخاطر المالية و الإقتصادية كبيرة للغاية ، ولا يمكننا أن نلعب بمستقبل البلاد ..”
“سن التقاعد في فرنسا أو الدول الرأسمالية يعتمد على مقتطعات تفرضها الدولة على رواتب الفرنسيين ، ليتم اقتطاعها لتكون رواتبا للتقاعد تبعا لمساهمات الموظفين في هذا النظام طوال الفترة التي عملوا بها ،التعديل الذي سيطال هذا التقاعد لن يشمل النظام و إنما المدة التي تستمر فيها الحكومة في اقتطاع نسب معينة من رواتب الموظفين.”