في نعي حكيم و أيقونة الشتات المغربي المشمول بعفو الله الأستاذ محمد الرباع.
عبد العزيز سارت.
يفقد الشتات المغربي ، في يوم ثقيل حزناً و حداداً، يوم الاربعاء 17 ماي 2022، الأخ محمد الرباع، احد أبناءه البررة، الذين حملوا، باكرا، هموم الجالية المغربية في هولاندا و باقي دول العالم و تصدوا لكل ما كانت و لا تزال تعاني منه من مختلف أصناف العنصرية و التمييز و التهميش و النمطية المهينة.
و كان، ابن مدينة “فضالة” المحمدية، رحمه الله، يوم كان ثمن النضال باهضا أيام سنوات الجمر و الرصاص، صوتا عاليا من أصوات الممانعة و المعارضة و التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان و تزوير الانتخابات واستنكار سياسات القمع التي مرت بها بلادنا، و التعريف بملفات المعتقلين السياسيين وما كانوا يتعرضون له من تعذيب و سوء المعاملة و التضامن مع عائلاتهم و جمع التبرعات لهم، و حشد الدعم لملف الإعتقال السياسي و الجهر بمواقفه الشجاعة أمام المنابر الإعلامية و مختلف المحافل و المؤسسات الدولية. و انشغل الحقوقي الملتزم محمد الرباع، بفضح الأدوار و الأنشطة الخبيثة االتي كانت تقوم بها، بإيعاز من السفارات و القنصليات ،الوداديات السيئة الذكر غير المأسوف عليها، و التي ادانها و رمى بها إلى مزبلة التاريخ تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة. و لم يكتفى “أيقونة و حكيم الشتات المغربي ” بالانشغال بملف المغرب و المغاربة، بل امتد نضاله للتضامن مع كل العاملين عبر العالم من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية و إرساء دعائم دولة القانون و العدالة الاجتماعية و النهوض بالطبقات المعوزة. فوقف، رحمه الله، في صف المناضلين الديمقراطيين اليساريين التقدميين الحقيقيين يتبنى و يؤازر كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرجاع حقوقه و إقامة دولته المستقلة على أرضه و فضح جرائم الكيان الصهيوني و التنديد بسياسات الميز العنصري بجنوب إفريقيا و المطالبة بإطلاق سراح نلسون منديلا، و مؤازرة الحركات التقدمية في أمريكا اللاتينية بالتضامن مع” الوحدة الشعبية” بالشيلي ضد انقلاب و دكتاتورية بينوشي، و الفاشية العسكرية بالأرجنتين و مساندة كفاح شعوب أنگولا و الموزمبيق و باقي المستعمرات البرتغالية من أجل استقلالها و حريتها.
و لم يتردد الفقيد العزيز، في توظيف كل المناصب التي شغلها داخل الحقل السياسي الحزبي بهولندا و مؤسساته البرلمانية و التمثيلية، التي سيذكر التاريخ بفخر و اعتزاز أن الأستاذ محمد الرباع كان أول من ولج إليها، من بابها الواسع عن جدارة و استحقاق و كفاءة، يعترف له بها الجميع، من أجل نشر قيم التعايش و التسامح و الاعتراف بالآخر المختلف و الارتقاء بالفعل المدني والأداء السياسي بإعمال معايير الشفافية و المحاسبة و اليد النظيفة و خدمة المواطن و وضعها فوق كل الاعتبارات.
تَاَمّلْ، ياَ شبابَ شَتَاتِناَ، مشوار و مسيرة هذا الرجل الزاهد و هو اليوم في ذمة الله، و انظر كيف اتحدت عنده السياسة بمكارم الأخلاق، و اجتمعت فيه المناصب الرفيعة بالتواضع و خدمة الناس، و توافقت في فكره و أفعاله مُثُلُ الفضيلة و الواقعية و النجاعة، فاستوى في قلوب الناس، مثالا للشجاعة السياسية و الأخلاقية و النزاهة الفكرية، و “الموسوعية الثقافية” و الغوص في عالم الأفكار و الآداب و الفنون.
نحيي نعشك بإجلال و إكبار و حزن عميق جثم على أنفسنا و مشاعرنا، و قد بدأ تهييء جنازتك للتحرك صوب مسجد الأمل للصلاة عليك. نودع فيك بشاشتك و ابتسامتك، نودع فيك اناقتك و هيبتك، نودع فيك شهامة نضالك و إخلاصك للمبادئ التي آمنت بها، نودع فيك نزاهتك و نظافة يدك. نودع فيك صوتا يصدح بشهادة الحق، نودع فيك مناضلا شامخا من تربة توبقال ، لا تجود بمثله إلا أرض مغربنا الخالد و شعبنا النبيل. نودع فيك قدوة يعز نظيرها بين جاليات العالم. نودعك و نستحضرك و انت تعض على الحديد و تقبض على الجمر من أجل مغرب أفضل و عالم أفضل.
نودعك، سي محمد الرباع، ايها الحكيم التابث على مبادئ الحق و العدل و التضامن، في وقت هيمنت فيه الدناءة ببلادنا على حقول السياسة و الفكر و الثقافة و الإبداع و الجامعة و العلاقات الاجتماعية. نودعك في وقت تطاولت فيه سَفَلَةُ القومِ على مسؤوليات لاقبل لها بها، و ادَّعَتْ نَكِرَاتٌ احتكار تفصيل القول فيما ليس لها به علم. نودعك وقد أدار بعض مناضلي الأمس ظهورهم لقاضايا الفقر و التهميش و العدالة الاجتماعية و أصبح عندهم الحديث عن محاربة هذه الآفات جميعها تأخرا و عدم مواكبة العصر و تناقضا مع قيم الحداثة ، و أصبحوا رهبان النيوليبرالية المتوحشة من دعاة الخوصصة و الإجهاز على التعليم العمومي و الصحة العمومية و القطاع العمومي برمته و ما بقى من مرافق الدولة الاجتماعية.
سنستحضر حكمتك و دروسك و عبرتك كلما ضاقت بنا السبل، و تاه بنا الرأي في نضالاتنا المقبلة و قد عزمت الدولة المغربية على إِنْزَالِنَا منزلة المنبوذين و أهل الذمة، بلا حقو ق و لا مواطنة أقل شأنا من السياح و الأجانب المقيمين بالمغرب، و سلطت علينا مجلسا يعمل بدون حسيب او رقيب همه الوحيد معاكسة تمتيعنا بحقنا في المشاركة السياسية و تأسيس مجلس ديمقراطي للجالية المغربية بالخارج. و نشهد عودة الفكر الودادي البئيس بغية زرع الفتنة و محاربة القيم الديمقراطية بين صفوف الشتات المغربي بإيعاز من السفارات و القنصليات و الوزارة الوصية و مجلس الجالية.
تَقَبَّلَكَ الله ايها الحكيم الراحل إلى مثواه الأخير، بما يتقبل به عباده المشمولين بعفوه و رحمته، في عداد الأوفياء و الاتقياء، بجوار النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا، و جزاك خير الجزاء على ما قدمت يداك من صالح الأعمال خدمة لمثل الخير و الحق و الفضيلة. و ألهم جميع أفراد الأسرة الكريمة عزيز الصبر و جميل السلوان وحسن العزاء. و عزاؤنا الخالص إلى كل المناضلات و المناضلين الذي واكبوا مسيرتك و تشبعوا بقيمها و و أهدافها و كل الذين لا زالوا يرابطون، يعضون على الحديد و يقبضون على الجمر.
” رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ، و ما بدلوا تبديلا”
إنا لله و إنا إليه راجعون.