الرأي

من الشطيح والرديح إلى التفكك الأسري: أين هي البدائل في زمن الانهيار الصامت؟

أحمد العمري – برشلونة.

في ظل ما تعيشه الجالية المغربية بكتالونيا من تحولات اجتماعية متسارعة، لم تعد المظاهر الثقافية والفنية مجرد أنشطة ترفيهية عابرة، بل تحوّلت لدى البعض إلى مرآة تعكس اختلالات أعمق، تتعلق بمصير الأسرة المهاجرة، ومكانة القيم المجتمعية التي طالما شكلت درعًا واقيًا ضد التفتت والانهيار.

تفاعلاً مع مقالنا السابق حول “كثرة مهرجانات الشطيح والرديح… أم غياب البدائل؟”، نبّه الفاعل المدني مصطفى العليطي إلى مسألة حاسمة تُدقّ بشأنها نواقيس الخطر، ألا وهي تفشي ظاهرة الطلاق في صفوف الجالية المغربية بكتالونيا، وما ينتج عنها من تفكك أسري، يهدد النسيج الاجتماعي ويترك آثاره العميقة على الأطفال، سلوكًا وتحصيلًا ودراسةً.

لكن من المهم التأكيد هنا أن الطلاق ليس دائمًا خيارًا طائشًا أو عبثيًا، بل يكون أحيانًا ضرورة لإنهاء علاقة زوجية قائمة على العنف، أو الإهانة، أو التسلط الذكوري. وفي مثل هذه الحالات، فإن المطلقة لا تحتاج إلى التنديد أو التشهير، بل إلى الحماية والمواكبة والدعم، خصوصًا حين تتحمل مسؤولية تربية الأبناء في ظل غياب شريك أو سند.

ما نرفضه ونسائل واقعه، هو تحويل معاناة المطلقات إلى مادة استهلاكية يُتاجر بها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال حفلات وسهرات تُسوَّق وكأنها إنجازات “تحررية”، بينما هي في العمق تستغل هشاشة نساء في وضع اجتماعي حساس، وتكرس أنماطًا استهلاكية فارغة تزيد من عزلتهن النفسية والاقتصادية.

وفي المقابل، هناك غياب واضح لبرامج جادة لمرافقة المطلقات نفسيًا واجتماعيًا، ومساعدتهن على الاندماج الكريم في المجتمع، دون وصم أو استغلال، وتمكينهن من أدوات التربية الأسرية، التي تُعدّ حاسمة في مواجهة ظواهر الهدر المدرسي والانحراف التربوي، خاصة في ظل غياب مؤسسة أسرية متماسكة.

من هنا، يُطرح السؤال من جديد: هل نملك فعلاً بدائل ثقافية وتنموية تقي الجالية من السقوط في الفراغ؟ هل تنظم المهرجانات لترميم الهوية وتحصين القيم، أم لترسيخ منطق الاستهلاك والترفيه المنفصل عن هموم الواقع؟

لسنا ضد الفن ولا الفرح، بل نحن معهما حين يكونان في خدمة الوعي، لا أداة لتغييبه. ومع المطلقات حين يكنّ ضحايا لزواج ظالم، لا حين يُدفع بهن في مسارات تزيدهن تهميشًا.

إن إعادة الاعتبار لمؤسسة الأسرة، وتوفير الحماية الاجتماعية للمطلقات، ومصاحبة الأطفال في مساراتهم التعليمية، ليست ترفًا بل ضرورة. وبدونها، سنظل نراوح مكاننا، بين حفلات صاخبة وصمتٍ مؤلم على واقع اجتماعي هشّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى