وصمة عار على جبين الصامتين: جريمة مدريد وفضيحة الجمعيات والمجالس الدينية.

أحمد العمري – كتالونيا24.
شاب مغربي يُقتل خنقًا على يد شرطي مخمور في مدريد، وأمام الناس، موثَّق بالصوت والصورة. جريمة بشعة بوضوح الشمس، لا لبس فيها ولا تأويل. ومع ذلك، أُطلق سراح القاتل، وكأن دم المغربي لا يساوي شيئًا.
والأبشع من ذلك: صمت شامل، خانق، مذل.
لا مسجد واحد أشار للجريمة.
لا إمام دعا للحق.
لا مجلس ديني وجّه نداء.
لا جمعية مدنية نددت.
ولا هيئة حقوقية عبّرت عن الغضب.
بل الأدهى، حين تواصل أحد الغيورين مع رئيس مؤسسة ابن بطوطة بمدريد، مطالبًا بموقف واضح، كان الجواب: “أنا في اجتماع”، ثم صمت طويل، حتى اليوم. مؤسسة لها مقر فاخر، وتستفيد من ميزانيات ضخمة، لكنها تعيش العجز الأخلاقي الكامل. كم من مؤسسة وجمعية تشبهها؟ كثير… كثير جدًا.
في زمن منظمة ATIME، رغم كل الانتقادات، كانت هناك جرأة الحد الأدنى. أما اليوم، فقد صرنا أمام جيل من “القيادات” التي لا ترى في العمل الجمعوي سوى “منصة تمويل”، و”صور مناسبات”، و”حضور بروتوكولي”، و”استقبال مسؤولين”، دون أدنى حس مسؤولية حين يُقتل مواطن ظلما وعدوانًا.
أين اتحاد الجمعيات الإسلامية بكتالونيا؟
أين المجلس الإسلامي المحلي؟
أين فيدرالية الجمعيات الإسلامية بكتالونيا؟
أين رؤساء الجمعيات الدينية والمراكز الثقافية؟
أين “الفعاليات المدنية” التي لا تتوقف عن ترديد شعارات “العيش المشترك”؟
إن صمتهم جميعًا هو وصمة عار على جبينهم. وإن الاستقالة الجماعية، بدل التمسك بالمناصب والمظاهر، هي الحد الأدنى من الكرامة التي يمكن أن يتحلوا بها اليوم.
ننظر إلى العالم من حولنا ونرى الفرق:
حين قتل شرطي أمريكي المواطن الأسود جورج فلويد خنقًا، خرج السود وغيرهم، الملايين، إلى الشوارع، أسقطوا تماثيل، هزّوا الرأي العام، وجعلوا الشرطة تحسب ألف حساب.
حين يُعتدى على مهاجر من أمريكا اللاتينية أو من جنوب الصحراء أو من الغجر، تخرج جالياتهم بكل قوة، تحتج، تغضب، تدفع، تصرخ، تُجبر الدولة على الرد.
أما نحن، فنجلس على كراسينا الوهمية، ننتظر من يواسي، أو يرسل “رمز تعبير”، أو يلتقط صورة في حفل رسمي.
لا نعمم. ولكن الأغلبية إما عاجزة، أو جبانة، أو مستفيدة من الوضع.
إن جريمة مدريد ليست فقط جريمة قتل، بل جريمة صمت.
وصمت من يملك منبرًا أو سلطة دينية أو منصبًا جمعويًا، هو مشاركة في الجريمة.
فلتستقلوا، إن لم يكن لديكم ما تقدمونه.
استقيلوا، لأن البقاء في مواقعكم هو تغطية على العار.
استقيلوا، لأننا لا نحتاج لمن “يمثلنا” في صور البروتوكول، بل من يدافع عنّا حين يُزهق دمنا ظلمًا.
ندعو إلى تأسيس تنسيقية وطنية للضغط القانوني والإعلامي، تشتغل على ثلاث جبهات: الترافع القانوني: عبر متابعة الجريمة أمام القضاء الإسباني ومحكمة حقوق الإنسان. التحرك الإعلامي: لكسر الصمت وكشف الجريمة للرأي العام المحلي والدولي. التأطير المجتمعي: لإعادة بناء وعي جماعي بالكرامة والحقوق والدفاع عن الذات.
لقد سُفك دم شاب مغربي في وضح النهار. وإن لم ننهض الآن، فمتى؟
لنكن في الموعد، وإلا فلنصمت إلى الأبد، ونتقبل الذلّ كقدرٍ دائم.