إلى متى تظل جرائم التشهير والتضليل والتزييف الإعلامي على المنصات دون رادع؟
"في ذات السياق مقال للأستاذعزيز باكوش".
إسبانيا /يوسف بوسلامتي .
يشهد السوشل ميديا اليوم موجة تحريف للحقائق في واحدة من أشد جرائم العالم الرقمي خطورة بشكل تبدو معه ترسانة القوانين والضوابط والتجريمات التي تسنها دول العالم عاجزة بل غير قادرة على كبح جماح هذا الانزياح الحضاري الرهيب ، وكذا نشر الإشاعات والفضائح ، والتنابز بالألقاب البذيئة والسباب بين الناس ، ولا يجوز في أي حال من الأحوال ، بل هو من باب نشر الفاحشة التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ”
هل ستتحرك النيابة العامة أمام الحملات الرقمية للتشهير والطعن في الأعراض؟
و في هذا السياق يندرج مقال للكاتب عزيز باكوش مراسل صحفي ، ناقد فني وله حسابات رسمية بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي ، نشر العديد من المقالات في النقد الفني والأدبي في مجلات وصحف مغربية وعربية. وله زاوية أسبوعية” عيون الميديا” في جريدة الصباح التي تصدر بليبيا.
مقال مد به الأستاذ عزيز باكوش جريدة كتالونيا 24 .
التضليل والتهويل على المنصات جريمة دون رادع .
عزيز باكوش
لأهداف تجارية محضة، وبحس تضليلي مقصود ،يستغل بعض المروجين على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات وأشرطة قصيرة وصور ذات طبيعة تهويلية مستفزة في تزامن مع فيضانات وكوارث طبيعية شهدها ويشهدها الجنوب الشرقي للمملكة المغربية مخلفة ضحايا وخسائر مادية جسيمة. بكل أسف يبدو أن هذه التقليعات الإخبارية المزيفة تحقق أرقام مشاهدات معتبرة كونها تنطلي على الجزء الأكبر من الناس. وهي فئة من المدمنين لأشكال التواصلي الاجتماعي غثه وسمينه . ويعود هذا الانجرار لسببين إثنين. الأول تطابق و تشابه ملحوظ في التضاريس الجغرافية الصحراوية للمناطق المستهدفة. أما السبب الثاني فيعود لدافع الفضول والرغبة الشديدة للاستكشاف والمعرفة من الداخل دونما رغبة في التحقق أوالاستدلال .
بعض المروجين يقومون بذلك عن سابق إصرار وترصد . ويحترفون التضليل كما لو كان واجبا وطنيا. ولا يرف لهم جفن وهم ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوهات منتقاة تظهر طوفان الأنهار والسيول وفيضان الأودية وانجرافات التربة مصحوبة بموسيقى غير منسجمة في الغالب من دون أن يرفقونها بعناوين تشير إلى اسم ومكان الحادث في واحدة من أخطر عمليات التضليل الثقافي والمعرفي.وفي أحسن الحالات يرفقونها بتلميحات مبهمة مفتوحة على كل الأنساق والسياقات.
وعند أبسط عملية تحري سواء عبر القيام ببحث موضوعاتي أو قراءة التعليقات المصاحبة أو التمحيص في بعض اللقطات العابرة في الفيديو أو أحيانا طبيعة المشهد ، يعثر الباحث على علامات فارقة توضح أن الأمر يتعلق بكوارث مشابهة وقت في مناطق بعيدة وتواريخ مختلفة إما في جنوب شرق آسيا وفي مناطق متفرقة من الشرق الأوسط وربما من بعض الدول في التي تشهد كوارث طبيعية على مدار العام في القارة الأمريكية ولا علاقة لها بالمغرب.
إلى هذا الحد وصلت الميوعة المصحوبة باستغلال شرس لهامش الحرية العريض على مواقع التواصل الاجتماعي ما يستلزم تفعيل ضوابط الردع بصرامة. وغير خاف على أحد أن نشر وتعميم مثل هذه التضليلات الإعلامية والأخبار الزائفة تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون .
المؤسف أن مثل هؤلاء المروجون وإن كانوا يحققون أرباحا مالية معتبرة ويجنون الدولارات بالملايين جراء استثمارهم الفاضح واستغلالهم اللاأخلاقي للمعطيات والمعلومات ، فإن الكثير منهم يقبع بعيدا عن عيون القانون ولا تطاله العدالة . ويستمرون في غيهم يبعثرون الأهداف السامية والنبيلة لمهنة الصحافة . ويبخسون الحرية الممنوحة لهم ويقللون من فرص البحث الجاد عن الحقيقة. لذا لا يتعين التبليغ عنهم فحسب، بل الالتزام بعدم تقاسم أو مشاركة ما يروجونه من أراجيف وخزعبلات.
لقد أضحى مؤكدا خطورة هذه الأفعال المصنفة ضمن أكثر أساليب الاحتيال أو الغش المعلوماتي استعمالا وشيوعا وغالبا على السوشل ميديا وبشكل مضطرد ومريب . والأخطر أنها تتم بغاية تحقيق منفعة مادية مباشرة أو غير مباشرة . المشرع المغربي كما أغلب التشريعات في العالم جرم مثل هذه الأفعال المشبوهة والمتمثلة في نشر أو نقل أو إذاعة الأخبار الزائفة، ووضع ضوابط التصدي لها من خلال تحديد عقوبة إتيانها وجعلها تحظى بالاهتمام الذي يوازي خطورتها. ضوابط ترمي إلى خلق تنسيق بين مختلف الأجهزة المعنية من أجل مواجهة هذه الجرائم المبتكرة المرتبطة بسياق عولمي جارف. وقد سن المشرع قوانين تتلاءم وخصوصية الجريمة المعلوماتية. ضمنها جرائم التغرير والاستدراج، وضمنها ما نشاهده من أشكال التضليل وأساليب التزييف في نشر الأخبار المضللة وتعميمها بهدف ربحي والتي باتت اليوم من أشهر الجرائم الالكترونية وأكثرها انتشارا على السوشل ميديا مهددة حياة المجتمع عموما أوساط القاصرين على نحو خاص.