فوضى الألقاب وتدهور المهنة: أزمة الصحافة بكتالونيا بين الواقع والادعاء.

أحمد العمري/ كتالونيا.

ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الزميل إبراهيم عبر منصاته الخاصة، خاصة على “الستوري”، موجّهًا انتقاده لأحد الأشخاص الذي يقدّم نفسه كصحفي بجهة برشلونة، يتجدد النقاش حول من يملك الصفة فعلاً ومن يتخذها غطاءً للتحايل أو التطفل على مهنة الصحافة. وقد بلغ الأمر حدّ التحدي العلني، حيث يُطالب هذا الشخص بإثبات توفره على بطاقة صحفي رسمية، دون جدوى.

ما يثير القلق حقًا هو أن مثل هذه الظواهر لم تعد استثناءً، بل أصبحت نمطًا سائدًا بين من يحاولون الظهور بمظهر الصحفي دون امتلاك أبسط المؤهلات أو المعايير المهنية. يكفي إعداد “بونجة” واحدة – أي ورقة اعتماد صورية – للتنقل بين السهرات الفنية والأنشطة ذات الطابع الربحي، دون أي التزام حقيقي بالمضمون الصحفي أو حتى الإلمام بأساسيات العمل الإعلامي.

وسط هذه الفوضى، يبرز نوع جديد من “الصحفيين الافتراضيين”، هو في الأصل يوتوبيرز أو ناشط المنصات الاجتماعية، يروّج لنفسه بأنه طالب ماستر في الإعلام أو خريج معاهد متخصصة، بينما لا توجد أي وثيقة أو دليل يثبت صحة هذه الادعاءات. المفارقة أنه  يكرر هذه القصة إلى أن يصدقها هو أولاً، ثم يجعل منها حكاية يرددها في كل لقاء أو مناسبة.

غير أن الملامة لا تقع فقط على هؤلاء الأشخاص، بل تتعداهم إلى الجهات الرسمية والمدنية والدينية التي باتت – عن وعي أو عن جهل – تُسوّي بين من يملك الصفة القانونية والتكوين المناسب، وبين من يفتقر إلى كل ذلك. فالدعوات تُوجَّه للجميع دون تمييز، مما يُفرغ المشهد الإعلامي من مصداقيته، ويُهين الكفاءات المغربية الحقيقية التي تُمارس المهنة بجدية وشرف في المهجر.

أما بخصوص الحصول على بطاقة الصحفي في كتالونيا، سواء عبر نقابة الصحفيين أو Colegios de periodistas en Cataluña، فقد أصبحت الوسيلة الأكثر شيوعًا لدى البعض هي الاستعانة بـ”اعتماد” من موقع أو جريدة مغربية – غالبًا دون علاقة فعلية بالمؤسسة – ثم تقديمه للجهات المختصة للحصول على البطاقة، في استغلال مكشوف للثغرات الإدارية.

لكن هل البطاقة وحدها تكفي؟ بطبيعة الحال لا. الصحافة مهنة تتطلب تكوينًا أكاديميًا محترمًا، وخبرة ميدانية حقيقية، والتزامًا مستمرًا بقواعد المهنة وأخلاقياتها. لقد قيل عن الصحافة إنها “مهنة المتاعب” و”مهنة الشرف”، قبل أن تتحول، في بعض السياقات، إلى مهنة من لا مهنة له.

ما نحتاجه اليوم هو وقفة جادة، تبدأ من داخل الجسم الصحفي نفسه، لفرز الغث من السمين، وتليها مسؤولية على الجهات الرسمية والمدنية لتكريس التمييز الإيجابي لصالح الكفاءات الحقيقية. أما الإعلام، فإما أن يكون رسالة ومسؤولية، أو فلا يكون.

 

 

 

تعليقات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد