كتالونيا24.
في ليلة الثالث والعشرين من يونيو من كل عام، تتحول مدن وسواحل كتالونيا إلى مسرح مفتوح للضوء والصوت، حيث يحتفل الكتالونيون بـ”ليلة سانت خوان” (La revetlla de Sant Joan)، التي تُعد من أبرز المناسبات التقليدية التي ترمز إلى الانقلاب الصيفي، وتمزج بين الطقوس الدينية القديمة والعادات الشعبية الحديثة.
تشهد هذه الليلة احتفالات صاخبة تشمل الألعاب النارية، والمفرقعات، والنيران التي تُشعل في الساحات والشواطئ، حيث يجتمع الناس من مختلف الأعمار حولها في أجواء يطغى عليها الفرح والبهجة. وتُعرف هذه الليلة أيضًا بكونها “ليلة النار” (Nit del foc)، لما فيها من رمزية تطهير وتجدد.
يعود أصل هذه الاحتفالات إلى طقوس وثنية كانت تُمارس احتفاءً بالانقلاب الصيفي، عندما يكون النهار أطول ما يكون في السنة. ومع مرور الزمن، اندمجت هذه التقاليد مع الطقوس المسيحية، لتُصبح احتفالًا بيوم القديس “يوحنا المعمدان” (Sant Joan Baptista)، الذي يُصادف 24 يونيو.
في الثقافة الكتالونية، تحمل النار دلالات خاصة، فهي تُستخدم لطرد الأرواح الشريرة، وتُرمز إلى النقاء والخصوبة. ولهذا السبب، تُشعل النيران في الشواطئ والجبال، ويقفز عليها الشباب، تعبيرًا عن الشجاعة والتجدد.
رغم أن “ليلة سانت خوان” ليست من المناسبات ذات الطابع الديني الإسلامي، إلا أن الكثير من العرب والمسلمين المقيمين في كتالونيا، يشاركون في هذه الاحتفالات بوصفها جزءًا من النسيج الثقافي والاجتماعي الذي أصبحوا جزءًا منه. وتُعتبر فرصة للاندماج والتفاعل مع باقي مكونات المجتمع، خاصة في ظل الطابع العائلي والودي الذي يطغى على هذه الليلة.
ورغم الأجواء الاحتفالية، لا تخلو “ليلة سانت خوان” من بعض التحديات، أبرزها ما يتعلق بالسلامة العامة. ففي كل عام، تسجل فرق الإسعاف والوقاية المدنية عشرات التدخلات بسبب الحروق أو الحوادث الناتجة عن الاستخدام الخاطئ للمفرقعات. ولهذا السبب، تطلق السلطات المحلية حملات توعوية تحث السكان على الاحتفال بشكل آمن، وخاصة الأطفال والمراهقين.
مع حلول المساء، تكتظ الشواطئ بالزوار، وتبدأ الحفلات الموسيقية والعروض التقليدية. أما المائدة الكتالونية، فتتزين في هذه المناسبة بحلوى “كوكه دي سانت خوان” (Coca de Sant Joan)، وهي كعكة تقليدية تُزين بالفواكه المجففة والصنوبر، ويُقبل عليها الكبار والصغار.
تُعد “ليلة سانت خوان” أكثر من مجرد احتفال؛ إنها مناسبة تعكس هوية كتالونيا الثقافية، وتُظهر كيف يمكن للتراث أن يستمر في الحضور وسط الحداثة، وكيف يمكن للجاليات الوافدة، من عرب ومسلمين، أن تندمج بانفتاح ووعي في نسيج المجتمع، دون أن تتخلى عن خصوصيتها.