صباح يعقوبي الشنّيق – إسبانيا.
في عالم السياسة، قد تبني الكلمات جسورًا أو تشيّد جدرانًا، لكن حين تُناقضها الأفعال، لا يبقى سوى فراغ مُربك.
في هذا الفراغ وقع الحزب الشعبي الإسباني (PP) عندما وجّه دعوة إلى ممثل جبهة البوليساريو لحضور مؤتمره الوطني. خطوة لم تكن فقط مثيرة للدهشة، بل فتحت كذلك صدعًا في الخطاب الذي لطالما تبناه الحزب على مدى عقود: وحدة إسبانيا غير القابلة للتجزئة، والرفض القاطع لأي نزعة انفصالية. خطاب منحه هوية، ودعمًا، وأصواتًا انتخابية.
ومع ذلك، ها هو الحزب نفسه يحتضن حركة يكتنفها الكثير من الغموض، مهما حاول البعض تقديمها في ثوب ملحمة تحريرية من الاستعمار. فجبهة البوليساريو تلاحقها اتهامات خطيرة بانتهاك حقوق الإنسان، وسوء إدارة الموارد المالية، واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة. ومسارها لم يكن يومًا عامل تقارب نحو السلام والاستقرار، بل على العكس، كان مصدرًا لتوترات متواصلة.
فهل نحن أمام مناورة استراتيجية؟ أم زلة دبلوماسية؟ أم ارتجال سيئ التقدير؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون عرضًا آخر لواقع سياسي بات فيه كل شيء قابلًا للتفاوض – حتى المبادئ – إذا كان العائد السياسي مبررًا؟
صحيح أن الالتزام بالمواقف لا يُكافأ دائمًا، لكن التناقض غالبًا ما يُعاقب. فهناك فرق بين فتح باب للنقاش أو التطور أو حتى إعادة صياغة الذات، وبين احتضان ما كان يُدان بوضوح، ودون أدنى توضيح أو تمهيد.
لقد دعا الحزب الشعبي جبهة البوليساريو ليس فقط إلى فعالية سياسية، بل إلى قلب تناقضه الداخلي. وهذا، بالنسبة لحزب جعل من الحزم عنوانًا له، ليس تصرفًا عابرًا. بل رسالة تُربك قواعده الأيديولوجية.
لأنه إذا بات كل شيء قابلًا للتفاوض، حتى الحدود التي كانت تفصل بين “نحن” و”هم”، فماذا يتبقى من الثوابت؟