عبد الحق مارصو- كتالونيا.
في سياق مأساوي يطبع الشرق الأوسط، حيث تتواصل الحرب في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وتتزايد أعداد القتلى والنازحين بفعل غارات إسرائيلية مدمّرة، جاءت زيارة وفد من خمسة عشر إمامًا وقائدًا دينيًا مسلمًا إلى إسرائيل لتثير موجة من الجدل داخل الأوساط المسلمة في أوروبا، وعلى امتداد العالم العربي والإسلامي.
رغم ما حملته الزيارة من شعارات “السلام والتعايش”، إلا أن توقيتها وسياقها الميداني والإنساني، حيث تُسجَّل اتهامات دولية لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، يطرح أسئلة جوهرية حول مدلول “الحوار بين الأديان” حين يُفصل عن قيم العدالة والاعتراف بالحق الفلسطيني في التحرر ورفع الحصار.
استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، صباح الاثنين 7 يوليوز 2025، وفدًا من الأئمة والقادة المسلمين من الجاليات في فرنسا، بلجيكا، هولندا، إيطاليا، وبريطانيا، وذلك في مقرّ إقامته الرسمي في القدس.
الرحلة نُظّمت من قبل شبكة ELNET (الشبكة الأوروبية للقيادة)، وهي منظمة تُعنى بتعزيز العلاقات بين أوروبا وإسرائيل.
شارك في الزيارة شخصيات معروفة، من أبرزها:
- الإمام حسن شلغومي، رئيس مؤتمر الأئمة في فرنسا،
- الإمام يوسف مسبّه من هولندا،
- الإمام علي العارجة من إيطاليا،
- نور ضاهري، ناشط بريطاني من أصل باكستاني،
إضافة إلى عدد من رؤساء المراكز الإسلامية والفاعلين في الحوار بين الأديان في أوروبا.
في كلمته، شدد هرتسوغ على أهمية الحوار بين الأديان، قائلاً: “كلنا أبناء إبراهيم… أنقلوا إلى مجتمعاتكم رسالة سلام. آمل أن يأتي السلام مع سوريا، مع لبنان، بل ومع المملكة العربية السعودية. نريد أن تنتهي معاناة سكان غزة، وأن نصلي معًا من أجل مستقبل مشترك لجميع الأديان في هذه الأرض المقدسة”.
وفي لحظة لافتة خلال اللقاء، أدّى الإمام يوسف مسبّه ترنيمة باللغة العربية مقتبسة من النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتيكفا”، ما أثار تفاعلًا داخل القاعة، لكنه قوبل بموجة انتقادات حادة لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
رأى الوفد أن الزيارة “رسالة سلام وانفتاح”، تهدف إلى مواجهة الكراهية والتطرف، وتعزيز التفاهم بين المسلمين واليهود.
لكن على الجانب الآخر، اعتبرها نشطاء حقوقيون ومفكرون عرب أنها تجاهل صارخ لمعاناة الفلسطينيين، خصوصًا في ظل استمرار العمليات العسكرية الدامية في غزة.
وقد أدى ذلك إلى تداعيات مباشرة داخل بعض الدول الأوروبية، حيث تعرّض بعض المشاركين في الزيارة لانتقادات لاذعة، ووُصفوا بأنهم “لا يمثلون إلا أنفسهم”. وأكدت تقارير إعلامية أن الإمام يوسف مسبّه أُوقِف مؤقتًا عن مهامه في مسجد بهولندا.
في موقف واضح، أصدرت الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية (CII) بيانًا رسميًا في نفس يوم الزيارة، جاء فيه: “لم تشارك الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية في هذا الاجتماع، وتعلن انفصالها الرسمي عن مضمونه وأهدافه. ولم يكن لأيّ من المشاركين أي تفويض لتمثيل الكونفدرالية أو التعبير عن مواقف الإسلام الإيطالي”.
وأضاف البيان، الموقّع من رئيس الكونفدرالية مصطفى حجراوي، ما يلي: “نعبر عن تضامننا الكامل مع الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يمرّ بمرحلة من المعاناة العميقة. ونجدد التزامنا من أجل سلام عادل، قائم على احترام القانون الدولي وكرامة الإنسان”.
وقد لقي هذا البيان ترحيبًا من جانب فاعلين مدنيين ومؤسسات إسلامية في أوروبا والعالم العربي، معتبرين أنه “صوت مسؤول يرفض المتاجرة الرمزية بالدين، ويعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في سياق أخلاقي وإنساني”.
في لحظة تاريخية تتسم بالتوتر والدمار، يصبح من الضروري التأكيد على أن السلام لا يُبنى على إنكار الحقوق، ولا على تجاهل صرخات الضحايا.
وإن كانت بعض المبادرات الدينية تحمل نوايا حسنة، فإن قيمتها تُقاس بمدى انسجامها مع مبادئ العدالة والحق.
الزيارات الرمزية، حين تنفصل عن واقع الاحتلال والاضطهاد، قد تتحول إلى أدوات في خدمة روايات سياسية تُبيّض وجه الحرب تحت غطاء “التسامح”، في وقت يحتاج فيه العالم إلى شجاعة الكلمة أكثر من مجاملة البروتوكول.