جريدة إلكترونية بإسبانيا

المشاركة السياسية للجالية المسلمة في كطالونيا.

 

(الدكتور عبد الرفيع التليدي: أستاذ بجامعة ليريدا ورئيس جمعية مغربييدا).

يبدو أن المشاركة السياسية تعتبر كحق من حقوق المواطنين حسب الدستور الإسباني لعام 1978 ، لكنها في واقع الأمر ليست كذلك بالنسبة للمواطنين من أصول أجنبية وطريقهم ليس مفروشا بالورود لأن هذا الدستور يحتوي على مواد مجحفة في حقهم و لا تصب في مصلحتهم. الأمر نفسه ينطبق على قانون الهجرة الذي يعتبر المهاجرين في بعض بنوده كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، خاصة فيما يتعلق بالحق في المشاركة السياسية و حق التصويت في الإنتخابات، على عكس معظم الدول الأوروبية الأخرى. و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه لا يحق لأي مواطن من أصل أجنبي المشاركة في الإنتخابات، سواء كانت بلدية أو برلمانية، إلا إذا كانت لديه الجنسية الإسبانية أو إذا كان بلده الأصلي قد وقع على ما يسمى : “إتفاقية المعاملة بالمثل” مع الحكومة المركزية الإسبانية.

بالإضافة إلى ذلك،فإن معظم الأحزاب السياسية ما زالت لم تستوعب بعد أهمية تواجد أو إستقطاب مواطنين من أصل أجنبي و وضعهم ضمن صفوفهم و كذلك أهمية منحهم الفرصة والحق في التمثيل السياسي، وبالتالي تمكينهم من الوصول، على سبيل المثال، إلى مراكز التسيير و صنع القرار أو الحصول على مناصب إدارية على مستوى البلديات أو الوصول إلى قبة البرلمان. ما هو معروف حتى الآن، هو أن عدداً قليلاً جداً من المواطنين من أصول أجنبية منخرطون مع بعض الأحزاب السياسية، و لكن عند وضع اللوائح الإنتخابية غالبا ما يتم وضع أسمائهم في نهاية هذه القوائم.

و قد أصبح واضحاً جداً في الوقت الراهن على أن هذه المسألة يجب تغييرها و بالتالي إعطاء الفرصة لجميع المواطنين بغض النظر عن أصلهم أو عرقهم أو جنسهم في التمثيلية السياسية، لأن غالبية المواطنين من أصول أجنبية و الذين إستقروا في كطالونيا لسنوات عديدة أصبحوا اليوم مواطنين عاديين و من الواجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها باقي المواطنون في كطالونيا. و في هذا السياق، ولكي نكون موضوعيين، فقد بدأنا نلاحظ أن بعض الأحزاب السياسية، سواء من كطالونيا أو من جهات أخرى، مثل الحزب الإشتراكي الكطلاني PSC أو الحزب اليساري الجمهوري الكطلاني ERC، قد بدأت بالفعل و لو بشكل محتشم جداً في تطبيق هذا الحق على أرض الواقع، و خير دليل على ذلك هو وجود ثلاثة نائبات من أصل أجنبي في برلمان كطالونيا من بينهم نائبة برلمانية من أصل مغربي، و نفس الشيء بالنسبة للبرلمان المركزي في العاصمة مدريد الذي يضم نوابًا من أصل أجنبي كالنائب البرلماني من أصل سنغالي مثلاً.

و هنا يمكن القول على أن حالة كطالونيا لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن باقي الجهات في إسبانيا بسبب العقلية الأنانية و عقلية المزارعين التي يمتلكها بعض ممثلي الأحزاب السياسية الذين يعتبرون أن المواطنين من أصول مهاجرة عليهم الإهتمام فقط بالعمل في الحقول والمعامل و الشركات و لا شأن لهم بالسياسة. علاوة على ذلك، هناك بعض ممثلي الأحزاب من يلبس جلد الخرفان لكنهم في واقع الأمر ذئاب يريدون فقط أن يلتهموا ويأكلوا لحم ضحاياهم كلما أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك. إضافة إلى هذا، فإن معظم خطاباتهم، على المستوى النظري، تهدف إلى الحديث عن التعايش والتسامح والتماسك الإجتماعي و الإندماج الإجتماعي والعدالة الإجتماعية، إلخ. لكن كل هذا يظل مجرد حبر على ورق على المستوى التطبيقي.

و تجدر الإشارة كذلك إلى أن الإحصائيات الأخيرة تؤكد على انه يوجد في كطالونيا أكثر من 7 ملايين و سبعمائة ألف من المواطنين، من بينهم أكثر من مليون و 200 ألف شخص من أصول أجنبية بنسبة تزيد عن %16 من مجموع السكان. أما بالنسبة للمغاربة المقيمين في إسبانيا فإن أكبر عدد منهم يتواجد في إقليم كطالونيا حيث يقيم ما مجموعه 234.344 مواطن مغربي بنسبة %27,29 من مجموع المهاجرين في منطقة كطالونيا. و بالمناسبة، فإن هناك مواطنون من أصول أجنبية يعيشون في هذه المنطقة منذ أكثر من ثلاثين سنة وما زالوا لا يعتبرون كمواطنين عاديين يتمتعون بكامل المواطنة و بكامل الحقوق و الواجبات وما زالت هناك تعقيدات فكرية و عقليات متحجرة تحول دون وضع أسمائهم في المراكز الأولى في اللوائح الإنتخابية. و الغريب في الأمر، هو أن بعض ممثلي الأحزاب السياسية غالبا ما يلتمسون بعض الأعذار غير الواضحة و غير المقبولة و لا يمتلكون الرغبة و الشجاعة الكافية لإعطاء الفرصة لبعض المواطنين من أصول أجنبية لكي يصبحوا مثلاً مستشارين في البلديات أو يتمكنوا من التموقع في بعض مراكز القرار و بالتالي منحهم الفرصة في إمكانية حل سلسلة من المشاكل المتراكمة في بعض الجهات و التي لم يتم حلها منذ سنوات مثل قضية المسجد في مدينة ليريدا أو في مناطق أخرى.

لكل هذه الأسباب، وجب طرح مجموعة من الأسئلة حتى تشكل مواضيع للنقاش و التمعن:
١- ألم يحن الوقت بعد لتغيير هذه العقلية الضيقة الحزبية و الإنتهازية لبعض الممثلين السياسيين؟
٢- ألم يحن الوقت بعد للإقتداء وأخذ العبرة مما بدأ يفعله بعض ممثلي الأحزاب السياسية في بعض الدول الأوروبية المجاورة؟
٣- ألم يحن الوقت بعد للإعتقاد بأن المواطنين من أصول أجنبية و مسلمة يستحقون نفس المعاملة مثل باقي المواطنين في كطالونيا؟
٤- ألم يحن الوقت بعد للإعتراف بأن العالم يتغير وأن بعض ممثلي بعض الأحزاب السياسية يجب أن يتغيروا كذلك و أن يغيروا رؤيتهم تجاه جزء مهم من مواطني المجتمع الكطلاني؟

تعليقات