زعيمة “فوكس” بتراسة تتجاوز كل الخطوط الحمراء: تحريض انتخابي يهدد التعايش.

كتالونيا24 – تراسا جهة برشلونة.
مرة أخرى، تثبت زعيمة حزب “فوكس” في مدينة تراسة (Terrassa) أنها لا تملك ما تقدمه للناخب سوى خطاب الكراهية والاستفزاز، وآخر خرجاتها لم تكن سوى دليل جديد على هذا المنحى الخطير: وقوفها أمام مسجد محلي مرتدية قميصًا يحمل عبارة صادمة: “Mohamed not welcome” – في استفزاز سافر لمشاعر المسلمين، واعتداء رمزي على آلاف العائلات المغربية التي جعلت من المدينة موطنًا لها منذ عقود.
هذه الخرجات التي باتت تتكرر، لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى استراتيجية انتخابية بئيسة، تسعى إلى تعبئة مشاعر الخوف والعنصرية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى، دون أدنى اعتبار لثمن ذلك على السلم الاجتماعي والوحدة المجتمعية التي ميزت تراسة عبر السنين.
تراسة ليست مدينة طارئة في المشهد الكتالوني، بل هي موطن لأكثر من 10 آلاف مغربي، ويُقدّر عدد المسلمين فيها بأكثر من 20 ألف نسمة. هم جزء أصيل من النسيج الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للمدينة. ومع ذلك، تُستهدف هذه الفئة اليوم بشكل مباشر في رموزها الدينية وهويتها، ما يشكل انتهاكًا خطيرًا لروح العيش المشترك.
غير أن الرد على هذا الاستفزاز لم يكن في المستوى المطلوب. وهنا يُطرح السؤال الجوهري: أين هي القوة المدنية التي من المفترض أن تكون درعًا واقيًا لهذا التعدد؟ وأين الفعل الجمعوي الحقيقي في التصدي لخطاب الكراهية عبر النضال الميداني، والنقاش العام، والمرافعة الحقوقية، والتنظيم المجتمعي؟
واقع الحال يُظهر أن العمل الجمعوي في تراسة يعاني من موت سريري، وأن كثيرًا من الجمعيات لم تعد تُمارس سوى أدوار مناسباتية شكلية. أما الهيئات الدينية، فقد اختزلت دورها في تنظيم الصلوات والمناسبات الدينية، وغاب عنها تأطير الأجيال الجديدة على النقاش والجدال والرد بالحجة والنموذج والسلوك الراقي.
لا وجود لبرامج حقيقية لصناعة نخبة شبابية قادرة على الوقوف في وجه هذه الموجة المتصاعدة من العنصرية، ولا مبادرات نوعية لتقديم بدائل حضارية تُجسد فعليًا قيم التعايش، وتُظهر الجانب المضيء من الهوية الإسلامية والمغربية في فضاء المواطنة.
في غياب هذا التأطير، يتحول المسلم والمهاجر المغربي في المدينة إلى هدف سهل للابتزاز السياسي، دون أن يجد من يدافع عنه بمنطق مدني ومؤسساتي. والمخيف أن السكوت المجتمعي – سواء بسبب التراخي أو اللامبالاة أو الخوف – هو ما يغذي شراسة هذا الخطاب اليميني المتطرف.
من الضروري أن تُعيد القوى الحية في المدينة، من جمعيات ومراكز ثقافية وقيادات دينية ومجالس محلية، حساباتها، وتتحمل مسؤوليتها في تكوين جيل جديد لا يكتفي بردود الفعل، بل يصنع البدائل، من مبادرات فكرية وفنية وثقافية وميدانية، تُجسد قيم الانفتاح وتحاصر خطاب الإقصاء.
صحيح أن زعيمة “فوكس” تحاول عبر هذه الخرجات المكشوفة استمالة جزء من القاعدة الانتخابية المتطرفة، لكن الأخطر من ذلك أن هذه الرسائل التحريضية تُهدد بالفعل استقرار المدينة وتماسكها. ولن يكون الرد عليها في الصمت، بل في اليقظة المجتمعية، وفي تحرك جماعي يعيد الاعتبار لقيم المواطنة، ويثبت أن تراسة مدينة لكل أبنائها.. لا مكان فيها للكراهية.