الرأي

صرخة من الهامش: معاناة الأسر المهاجرة بين أحكام الإخلاء والإقصاء من الحق في السكن الكريم.

من الإقصاء إلى الاستغلال: مأساة السكن التي تطحن الأسر المهاجرة.

نعيمة العرفة القدسي – كتالونيا.

تواجه العديد من الأسر المهاجرة في إسبانيا، وخاصة من أصول مغاربية وعربية، أزمة حقيقية في الوصول إلى سكن لائق وآمن، في ظل سياسات سكنية غير منصفة وصمت طويل من السلطات، ما جعل من هذه الفئة الحلقة الأضعف في منظومة لا تعترف بكرامتهم ولا تراعي احتياجاتهم الأساسية.

لقد أصبحت قرارات الإخلاء الصادرة بحق عائلات مهاجرة، من بينها أسر تضم أطفالًا قاصرين، سيفًا مسلطًا يُنفَّذ دون تقديم أي بديل حقيقي من قبل الجهات المعنية، سواء من حيث توفير سكن اجتماعي أو من خلال آليات حماية للحق في السكن. وتتم هذه الإخلاءات بمشاركة أطراف متعددة، من مافيات العقارات إلى البنوك الجشعة.

إنّ العديد من البنوك، المعروفة بامتلاكها لعشرات العقارات غير المستعملة، تلجأ إلى مكاتب محاماة أو عناصر للضغط والمضايقة، لترهيب الأسر التي تقطن في مساكن بدون عقود رسمية (ما يُعرف بـ Ocupas). ويصل الأمر أحيانًا إلى حدّ إرسال “بلطجية” لتهديد السكان، وقطع الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، رغم وجود أطفال قاصرين، أو حتى نزع صنابير المياه من الشوارع لمنع استخدامها من قِبل هذه العائلات. كما تُعرض عليهم مبالغ مالية زهيدة مقابل مغادرة السكن طوعًا، فيما يُعرف بـ “الشراء القسري للصمت”.

تنديدنا بهذا التعسف لا يعني تبرير احتلال المساكن بشكل غير قانوني، ولكن من الواجب الإشارة إلى أنّ السلطات ذاتها تغاضت عن هذه الظاهرة لسنوات، مما أفسح المجال لنمو شبكات مافيوية مختصة في اقتحام المساكن مقابل مبالغ مالية غير قانونية.

أما على مستوى السوق العقارية، فهناك رفض صريح وممنهج من قِبل العديد من الوكالات العقارية وأصحاب الشقق لتأجير السكن لأشخاص من أصول مغاربية أو عربية، حتى إن توفرت لديهم دخل ثابت أو ضمانات كافية. وهذا يُعدّ من الممارسات العنصرية الممنهجة التي تتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون.

ومن بين المظاهر المؤسفة أيضًا، استغلال بعض الأفراد لنظام السجل البلدي (Padrón)، حيث يقومون بتسجيل مهاجرين مقابل مبالغ مالية باهظة، ثم يبادرون إلى شطبهم بعد أيام قليلة، وهم على علم بأن شهادة السكن تُعدّ عنصرًا أساسيًا في ملفات التسوية القانونية، وتُستخدم لاحقًا للحصول على الإقامة. وتُسهم هذه الممارسات في تكوين شبكات استغلال غير أخلاقية، بينما تلتزم السلطات الصمت، أو تتدخل فقط لمعاقبة الضحايا، دون أن تقدم حلولًا وقائية أو بنيوية.

ويجدر بالذكر أن المتورطين في هذه الشبكات ليسوا فقط من السكان الأصليين، بل أحيانًا من نفس أبناء الجالية المهاجرة، ما يزيد الوضع تعقيدًا.

ولا يتوقف الأمر عند أزمة السكن، بل يمتد إلى معضلة موازية تتعلّق بالإجراءات الإدارية المرتبطة بتسوية الوضعية القانونية، كالحصول على مواعيد لأخذ البصمات أو تجديد الوثائق. وبدل أن تسهّل الشرطة الوطنية (Policía Nacional) عملية الحصول على هذه المواعيد، قامت بتقليص عددها وربطها بوقت واحد ومحدود في الأسبوع، ما فتح الباب أمام سماسرة الإنترنت والقراصنة الإلكترونيين (Hackers)، الذين يستغلون هشاشة وضعية المهاجرين، ويعرضون بيع المواعيد مقابل مبالغ قد تصل إلى 100 يورو أو أكثر، مستغلين يأس البعض في إيجاد حلول قانونية.

أمام هذا الواقع، يُطرح السؤال بمرارة: من المسؤول عن هذه الفوضى؟ هل هي الدولة التي تركت المافيات تنشط لسنوات دون رقابة؟ أم هي الإدارات المحلية التي لم تفعّل آليات الرعاية الاجتماعية والإدماج الحقيقي؟ أم هو المجتمع المحلي الذي تقاعس عن نصرة جيرانه ورفاقه في الوطن؟ أم نحن كمهاجرين، حين نشارك في ممارسات استغلالية ضد أبناء جلدتنا؟ أم صمتُ البعض الآخر، بدعوى أن مشاكل الفئات غير النظامية لا تعنيه؟

إننا أمام أزمة حقيقية لا تمسّ فقط كرامة الإنسان المهاجر، بل تضرب في صميم نموذج الدولة الاجتماعية التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وما لم تُتّخذ إجراءات صارمة ضد الوسطاء غير القانونيين، والمافيات العقارية، والعنصرية المؤسساتية، فإنّ هذه الحلقة من الظلم ستتكرّر، وسيدفع ثمنها دومًا الفئات الأضعف.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى