الرأي

كثرة مهرجانات “الشطيح والرديح” بكتالونيا… أم غياب البدائل؟

في ظل تفاقم المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها الجالية المغربية، تثار تساؤلات حول جدوى بعض الأنشطة الفنية ومدى مساهمتها في سد الفراغ التنموي.

 أحمد العمري- برشلونة.

توصلت كتالونيا24 بتعليق خاص من أحد رؤساء الجمعيات المدنية بجهة برشلونة، عبّر فيه عن امتعاضه مما أسماه “كثرة مهرجانات الشطيح والرديح”، في ظل واقع مرير تعيشه الجالية المغربية بكطالونيا. مشاكل تتعدد عناوينها: السكن، تسوية الأوراق، الهدر المدرسي، الاكتظاظ في السجون، التفكك الأسري، البطالة، وتدهور الخدمات الاجتماعية. كلها قضايا تُثقل كاهل المهاجر المغربي وتزيد من غربته داخل غربته.

ورغم أن الرسالة لم تذكر أسماء بشكل مباشر، إلا أن الإشارة كانت واضحة إلى مهرجان “كافا” الأخير في نسخته الرابعة، الذي اختُتم بحفل فني أحياه مجموعة من الفنانين المغاربة، على رأسهم الفنان الدوزي، وكذلك مهرجان تراغونة الذي نظمته فعاليات أخرى بتنسيق مع القنصلية العامة للمملكة المغربية بتراغونة. غير أن هذه الانتقادات، رغم مشروعية دوافعها، تثير تساؤلات أعمق.

هل الحل يكمن فعلاً في استنكار المهرجانات والتقليل من شأنها؟ أم في فتح نقاش رصين بين مختلف الفاعلين المدنيين والثقافيين للبحث في مكامن الخلل واقتراح البدائل الممكنة؟

من وجهة نظري، لست ضد تنظيم الحفلات والمهرجانات الفنية، بل أعتبرها جزءًا من تعبير الجالية عن ذاتها، ووسيلة للترفيه والربط بالثقافة الأصل. لكنني أرى في المقابل أن الاقتصار على “الغمز واللمز” في هذه الأنشطة، دون تقديم مشاريع موازية ذات بعد اجتماعي أو تحسيسي أو توعوي، هو شكل من أشكال الهروب إلى الأمام.

لا أحد ينكر أن هناك فراغًا مهولًا في مجالات التأطير والإدماج والمواكبة الاجتماعية، لكن مواجهة ذلك لا تتم بإلغاء الفرح، بل بإيجاد توازن بين ما هو ترفيهي وما هو توعوي. فكما نحتاج إلى مهرجانات ومناسبات فنية، نحتاج أيضًا إلى لقاءات تنويرية، ندوات نقاش، ورشات تكوين، مبادرات إحسانية، وبرامج دعم الأسرة والطفولة والشباب. هذا ما يعيد الثقة للمجتمع ويخرج الفئات الصامتة من عزلتها، بدل تركها تتأرجح بين لا مبالاة قاتلة ونقد سلبي لا يبني شيئًا.

لقد أصبحنا نرى فئة تتصدر المشهد حيثما وليت وجهك، لا تشتغل في أي مجال مدني، ولا تقدم أي بديل، سوى “الحضور للظهور”، وهذا أمر مؤسف، ويضعف العمل الجمعوي الحقيقي الذي يشتغل في الظل بصمت وبُعد نظر.

لا بد أن ننتقل من منطق “الاستنكار” إلى منطق “الاقتراح”، ومن دائرة الرفض إلى دائرة الفعل. فالمجتمع لا يُبنى بالشكاوى وحدها، بل بالاجتهاد والتراكم والنقد الذاتي. ولنُحسن الظن قليلًا، فربما ما نراه اليوم “رديحًا”، قد يكون غدًا بوابة لحوار أوسع، شرط أن نعرف كيف نوجه البوصلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى