كتالونيا – عبد الحق مرصو:

في حادث عنصري جديد يعكس تصاعد خطابات الكراهية تجاه الجاليات المسلمة في إسبانيا، تعرض المسجد المستقبلي للجالية المسلمة في بلدة بييرا، الواقعة على بُعد نحو 50 كيلومترًا من برشلونة، لاعتداء عنيف ومتعمد في الساعات الأولى من صباح الخميس.

ووفقًا للتحقيقات الأولية، فقد أقدم مجهولون على اقتحام الموقع الذي لا يزال قيد الإنشاء، وسكبوا مادة البنزين داخله، قبل أن يشعلوا النيران في أجزاء واسعة من المبنى، مما ألحق أضرارًا مادية جسيمة في المنشآت والمرافق. وأكدت مصادر محلية أن السلطات البلدية أرسلت فرقًا فنية لتقييم مدى تضرر الهيكل الخرساني الأساسي، وسط مخاوف من انهيار أجزاء منه.

تضامن غير مسبوق من الكنيسة الكاثوليكية:

ردًّا على هذا العمل العنصري، أصدرت أبرشية سانت فيليو دي يوبريغات وكنيسة سانتا ماريا في بييرا بيانًا أعربتا فيه عن الدعم الكامل والتضامن الصادق مع الجالية المسلمة وسكان البلدة المؤمنين جميعًا.

وأكّد البيان أن هذا الحادث “يمسّ كرامة جميع المؤمنين بغض النظر عن ديانتهم”، مضيفًا أن “العنف لا يمكن أن يكون وسيلة للتعبير، بل هو جريمة في حق التعايش والمواطنة.”

كما أكّدت الكنيسة رفضها القاطع لأي شكل من أشكال العنف، ودعت إلى ضرورة “فتح قنوات الحوار وإغلاق أبواب الكراهية والجدران النفسية بين أبناء المجتمع الواحد.”

مسجد بني بجهود أبناء الجالية:

تجدر الإشارة إلى أن المركز الإسلامي الذي تعرّض للاعتداء لا يزال قيد البناء، ويقوم على تشييده أبناء الجالية المسلمة في بييرا من أصول مغربية وباكستانية وجزائرية، من خلال تبرعاتهم ومساهماتهم الذاتية، دون دعم من جهات أجنبية أو رسمية.

ويهدف المشروع إلى توفير فضاء للصلاة والتعليم الديني والتواصل المجتمعي، في إطار يحترم القوانين المحلية ويعزّز قيم التعايش.

وكان من المنتظر افتتاح المسجد خلال فصل الخريف القادم.

دعوة للعدالة ووقف خطاب التحريض:

في ختام بيانه، دعا الأسقف المحلي إلى ضرورة الكشف عن مرتكبي هذا الفعل الشنيع في أقرب وقت، محذرًا من عواقب تساهل السلطات مع موجة الإسلاموفوبيا التي تشهد تصاعدًا في أوروبا عمومًا، وكتالونيا على وجه الخصوص.

وذكّر بما ورد في خطاب البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي Evangelii Gaudium حين قال: “كل واحد منا مدعو ليكون صانع سلام، يوحّد ولا يفرّق، يُطفئ الكراهية ولا يحتفظ بها، يفتح أبواب الحوار ولا يبني جدرانًا جديدة. فلنتحاور ونتقابل من أجل ترسيخ ثقافة اللقاء في هذا العالم.”

بييرا… بلدة صغيرة في مهبّ رياح الكراهية:

تقع بلدة بييرا في مقاطعة أنويا التابعة لإقليم كتالونيا، ويقطنها قرابة 15 ألف نسمة، بينهم نسبة معتبرة من المسلمين. عُرفت البلدة بطابعها السلمي وهدوئها الاجتماعي، لكن حادثة إحراق المسجد تثير مخاوف من محاولات إدخال خطاب الكراهية إلى البلدات الصغيرة بعد أن انتشر في المدن الكبرى.

وأعرب العديد من النشطاء وممثلي المجتمع المدني عن قلقهم من استغلال التيارات اليمينية المتطرفة، كحزب فوكس، هذه الأجواء لزرع الانقسام والتحريض على الجاليات المهاجرة.

يمثل هذا الاعتداء على مسجد بييرا ناقوس خطر جديد بشأن تصاعد الإسلاموفوبيا والعنف الديني في إسبانيا.

غير أن مشهد التضامن القوي من الكنيسة الكاثوليكية وسكان البلدة يعيد التأكيد على أن قيم التعايش والكرامة الإنسانية لا تزال حيّة، في مواجهة محاولات إشعال الفتنة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version