لحظات انتظار الموت في غزة.. أطفال كتبوا وصاياهم وأمهات ارتدت ملابس النهاية.

أحمد صلاح/ القاهرة.

بعيون دامعة ووجوه غطاها تراب العزة الرمادي، كآخر أثر لمنازلهم الأبية في غزة، وقف العُزّل أمام جرائم حرب وانتهاكات إنسانية تسيطر على المشهد الفلسطيني الآن، في صورة لم يشهدها العالم من قبل، فتّتت براءة الأطفال، واعتصرت قلوب الأمهات بممارسات وحشية قضت على أي منطقية للأمور.

وما بين الأحياء والأموات في فلسطين «لحظة فارقة».. لحظة واحدة لا يعلمون موعدها أو شدة قسوتها، لكن كل ما يعلمونه عنها أنها قادمة، فلا حدود لإنسانية طفل أو لمريض في مشفى لا حول له ولا قوة، فبدأ الجميع يستعد للموت، منهم من كتب اسمه على يديه الصغيرتين للتعرف على جثمانه بعد الهدم والإبادة، ومنهم من استعدت بملابس كاملة للستر وقت الموت، أو للهروب وقت النجاة، وما اعتصر القلوب عصرًا كان كتابة طفلة لوصيتها استعدادًا للرحيل المُفاجئ.

يد صغيرة ومعنى كبير.. أطفال غزة يستعدون للموت:

«إن نجت يدي فهذا اسمي»، معنى تقشعر له الأبدان من هول موقف سلم فيه الأطفال أنفسهم لقدرهم، بإيمان حكيم رسخ قناعة أن جسده لم يُدفن كاملًا، فتخطوا حاجز الخوف من الموت لدائرة تمني الموت بجسد كامل.

وعلى يديها الصغيرتين كتبت اسمها آية عبدالرحمن شهوان، ورقم الهوية للعثور على جسدها بعد الفناء، استعدادًا للموت في أي لحظة.

أما الطفلة هيا فكتبت وصيتها، في أربعة بنود مع رسومات صغيرة وقلوب سالمة كقلبها الرقيق، وزعت خلالها نقودها الـ 45 شيكل، وأحذيتها وملابسها على أطفال عائلتها ووالدتها، والفقراء، وأوصتهم خلالها بغسلها أولًا.

كعكة وعملة كانتا آخر ما تمسك به طفل بمستشفى المعمداني في قطاع غزة الذي قُصف من قوات الاحتلال الصهيوني مساء أمس، فأسفر عن 500 شهيد، ولا يزال هناك العشرات تحت الأنقاض، بين جثث متطايرة على أبعاد 50 -100 متر، من رؤوس أطفال وأياد وأرجل، وهو المشهد الذي صاحب أحداث القضية الفلسطينية طيلة الاثنى عشر يومًا الماضية منذ بداية القصف الذي نتج عنه 3478 شهيدًا، و12 ألف مصاب إثر قصف غزة بعد طوفان الأقصى، الذي شن هجومًا على جيش المُحتلين في السابع من أكتوبر الجاري.

بملابس الصلاة تستعد سيدات غزة للموت:

مجموعة من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تحدثت خلالها سيدات فلسطين عن استعدادهن للقاء الله في أي لحظة، فقالت إحداهن: «نرتدي إسدال الصلاة مستعدين للموت بأي لحظة، ففي أي لحظة ينهد المنزل فوق رؤوسنا لكننا مستعدون لمقابلة الله، وإن نجانا فسيسترنا هذا الزي عند الخروج من أسفل الأنقاض، جالسين لا حول لنا ولا قوة، لا نعلم من سيكون دوره القادم، ومن سيبقى منا ومن سيرحل».

وبدموع سيطرت على حديثها قالت مواطنة من غزة: قلبي يغلي من جوا، ليس خوفًا من الموت، لكن خوفًا على أولادي المرعوبين، نحن نُعاني من هذه الحرب القاسية.

وتتابع: «يقولون لنا اخلوا منازلكم وأنا أتحمل مسؤولية أولادي الصغار، ووالدة زوجي سيدة مُسنة، وين نروح، لم نجد مكانًا آمنًا يساعنا، وكيف أتحرك بالأطفال والسيدة المُسنة، هذا الأمر يحتاج أن نركض فكيف تطلبون منا المستحيل؟، ونحن ما ذنبنا، نحن أبرياء، ولا تمييز بين الكبير والصغير والأطفال، حرب لم نر لها مثيلًا، لن ولم نرى مثلها، يارب ارأف بحالنا، يارب ساعدنا نحن بكرب».

وقالت أخرى من بين رمال منزلها المُهدم: «هذه أراضينا وبلادنا ولا بنفرط في بلادنا، ولا بحبة رمل منها انا رح هنا موت».

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقا