السلوكيات اللامدنية و تحديات العصر تجاوزت امكانيات كبريات مدننا ببنياتها التحتية المتقادمة . 

الحسين فاتش.

مابين ضرورة التعجيل بترسيخ التربية على قيم المدنية من جهة وضرورة ملاءمة بنية مدننا التحتية مع مستويات التطور الحاصل في مجال التنقل والنقل (el nuevo modo de mobilidad) ،تعجز شوارع مدننا عن التكيف والتأقلم مع الموضة الجديدة للتنقل والنقل كظاهرة استعمال الطرونيط والدراجات الكهربائية بمختلف اشكالها واصنافها التى اصبحت بمثابة وسيلة النقل الاكثر استعمالا بالبلدان الغربية المتقدمة. …فى هذا الاطار، مدننا وجدت نفسها فجأة خارج العصر ؛ عاجزة عن مسايرة هذه التحولات التكنولوجية المتسارعة ؛ متخلفة بذلك العجز  اللحاق بالعالم المتحضر بنصف قرن من الزمن ..فشوارع مدننا التى لم يراع في التخطيط لتهيئتها مجيئ زمن يقفز فيها البحث و التطور والتجديد في مجال التكنولوجيا قفزة نوعية تفرض وجود شوارع بمواصفات خاصة ؛ بطوارات واسعة قابلة لتوفير المسارات المخصصة للدراجات (pistes cyclables) وحتى وان وجدت بمدننا طوارات قابلة لان تقام بها هذه المسارات فهي اما ضيقة او تدخل طواراتها ضمن مايسمى بالملك العمومى المستغل بالايجار من قبل اصحاب المقاهي والحرفيين والباعة المتجولين ، سواء بصفة قانونية او ما يوجد منها ضمن المساحات المحجوزة بالترامى والاحتلال الغير المشروع …ناهيك عن ان اعادة تأهيل الطوارات وفق متطلبات استقبال هذه الموضة الجديدة في التنقل رهين بمتابعة تشريعية مرنة قادرة على مواكبة المتغيرات بادخال تعديلات متواصلة على مدونة السير والجولان وتتطلب عملية مسايرة هذه التطورات التوظيف المستمر للأعلام العمومى في قيادة حملات تحسيسية بغية ترسيخ قيم المدنية لدى المواطن كضرورة فرض احترام علامات التشوير عند ممرات الراجلين وسن قوانين زجرية صارمة وتربية المواطن على استعمال الممرات المخصصة للراجلين التى تتطلب مراقبة بالكاميرات لرصد المخالفين وملاحقتهم خاصة اصحاب المركبات، وكذا سن عقوبات في حق الراجلين الذين لا يسلكون الممرات او يخالفون علامات التشوير الضوئية وذلك بغية القطع مع فوضى انتهاك حرمة ممرات الراجلين ولتفادى اختلاط الراجلين بالسيارات عند تلك الممرات والمدارات كما تقتضى ضرورة التخفيف من وطأة اختناق المواصلات وتجنب الحوادث المميتة سن تشريعات تقنن دخول الشاحنات ذات الوزن الثقيل الى قلب المدن الخ…

في بلدنا لا نزال ابعد مانكون عن اعتناق ثقافة استعمال الدراجة الهوائية في تنقلاتنا داخل المدار الحضري بل ان العقلية القروية للبعض منا لا تزال تنظر الى استعمال الدراجة الهوائية بنظرة احتقارية معتبرة اياها مؤشرا على الفقر والهشاشة !

فكرة الخوض في هذا الموضوع بكل تشعباته وهمومه راودتنى صبيحة هذا اليوم الجمعة 27 مايو وانا اتابع باستغراب وحبس للانفاس كيف كان يتطور حجم سحابة سوداء كثيفة من الدخان الاسود ناجمة عن انبعاثات دخان عوادم السيارات والدراجات.. وانا جالس خلف زجاج احدى المقاهي بقلب الدار البيضاء..المدينة الغول التى لم تعد تعرفنى ولم اعد اعرفها بعد ان طال بي المقام في الغربة .جلست استغرب   لكيف “تعجنت” اكوام لافيراي باحدى المدارات جراء اختلاط الشاحنات والمركبات مع الراجلين ومع راكبي الدراجات النارية “الشينوا” التى بالمناسبة بدأت تغزو شوارع مدننا للحد الذي جعلت فيه زحمة الدار البيضاء شبيهة الى حد كبير بزحمة شوارع العاصمة التيلاندية بانكوك او مانيلا عاصمة الفلبين ! في ذات “العجينة ” يتحدى مول عربة “جافيييل” صاحب الكرويلة المجرورة من قبل حصان نحيف يجر حوافره جرا وبدوره يتحدى صاحب سيارة “الكويلفة” المتهالكة مولات 30 عام ! التى بدورها تتحدى الرولس رويس اخر صيحة والرانج روفر ومولاتى اللمبوركينى واخواتها !.. ومن فرط نرجسية الجميع وغياب الوعي بمخاطر الكارثة البيئية التى يسير الجميع نحوها مباشرة ! وفي انتظار ان تحل تجدهم كلهم يتساوون في تجرع نفس الجرعات السامة من غاز ثانى اوكسيد الكربون !……

اترك تعليقا